خمسون عامًا على إعادة افتتاح قناة السويس
رئيس دار الكتب: قناة السويس أعادت لمصر مكانتها وأثبت قدرة المصريين على تحويل الهزيمة إلى نصر

أطلقت الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية برئاسة الأستاذ الدكتور أسامة طلعت ندوة بعنوان "خمسون عامًا على إعادة افتتاح قناة السويس"، أعدتها الإدارة المركزية للمراكز المتخصصة برئاسة الدكتور أشرف قادوس، في إطار توجيه وزارة الثقافة، وضمن مبادرة "مصر تتحدث عن نفسها".

بدأت الندوة بكلمة للأستاذ الدكتور أسامة طلعت، رئيس الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، الذي أكد أن قناة السويس كانت وستظل محط أنظار العالم بأبعادها الاقتصادية والجيوسياسية، وأنها جزء من السياسة الدولية المتجددة حتى اللحظة الراهنة، وأوضح أن فكرة إنشاء القناة ارتبطت بمسيرة النهضة المصرية منذ عهد محمد علي والخديو إسماعيل، الذي اعتُبر محمد علي الثاني، حيث جسد بحفره قناة السويس وقصر عابدين والقاهرة الخديوية معالم مصر الحديثة، وأضاف أن القناة لم تكن مجرد ممر مائي، بل رمزًا للسيادة والكرامة الوطنية، مشيرًا إلى أن قرار الرئيس أنور السادات بإعادة افتتاحها عام 1975 كان تحولا تاريخيا أعاد لمصر مكانتها وأثبت قدرة المصريين على تحويل الهزيمة إلى نصر.

تلتها كلمة أ.د. أشرف مؤنس الذي افتتح الندوة بكلمته مؤكدا أن مرور خمسين عامًا على إعادة افتتاح قناة السويس يمثل ذكرى وطنية عظيمة تجسد إرادة مصر الصلبة بعد نصر أكتوبر 1973،وأوضح أن القناة منذ افتتاحها عام 1869 شكلت شريانا حيويا للتجارة العالمية، وأصبحت بعد قرار تأميمها عام 1956 رمزا للاستقلال الوطني، وأكد أن قرار الرئيس السادات بإعادة افتتاحها عام 1975 جسد إرادة النصر والسلام معا، وأعاد لمصر سيادتها الكاملة، كما فتح الباب أمام التنمية الاقتصادية، وأشار إلى أن مشروع قناة السويس الجديدة والمنطقة الاقتصادية الخاصة اليوم يعززان مكانة مصر كمركز عالمي للتجارة والخدمات اللوجستية، وختم بتحية لشهداء مصر وعمالها وقادتها الذين حفظوا للقناة مكانتها.
ثم جاءت مشاركة د. مصطفى الغريب محمد الذي تناول موقف الأمير حسين كامل من مشروع مد امتياز قناة السويس (1909/1910) أثناء رئاسته لمجلس شورى القوانين والجمعية العمومية، وأوضح أن الأمير دعم المشروع بجرأة رغم الرفض الشعبي، مما أثار انتقادات واسعة وأفقده مكانته لدى المصريين، خاصة الفلاحين الذين كانوا يلقبونه بـ"أبو الفلاحين"، وأشار إلى أن موقفه ظل مثار جدل حتى استقالته من رئاسة المجلس والجمعية بعد اغتيال بطرس غالي، ليبقى هذا الموقف صفحة معقدة في تاريخه السياسي.
وعلى لسان د. محمد عبد الرحيم محمد، جاءت المداخلة لتؤكد أن قناة السويس هي أحد أهم الممرات الملاحية عالميا، تربط بين البحرين المتوسط والأحمر وتشكل أقصر طريق بين أوروبا وآسيا، ويمر عبرها نحو 12% من التجارة البحرية العالمية، وأوضح أن القناة تشهد يوميًا مرور عشرات السفن المحملة بالنفط والغاز والبضائع، وأن توسعاتها الأخيرة زادت من طاقتها التنافسية أمام الممرات البديلة.
وأكد أنها ليست مجرد ممر اقتصادي، بل عنصر جيوسياسي تعتمد عليه كبرى الاقتصادات العالمية، ما يجعل استقرارها قضية استراتيجية.
و تحدث د. طارق السيد سليم في ورقة بعنوان "دول عدم الانحياز وأزمة السويس 1956: موقف يوغسلافيا أنموذجا، استعرض خلالها أسس السياسة الخارجية اليوغسلافية وعلاقاتها مع مصر قبل الأزمة، ودورها في مراحلها المختلفة، من صفقة الأسلحة السوفيتية إلى قرار تأميم القناة، ثم مؤتمر لندن والأمم المتحدة حيث لعب وزير الخارجية بوبوفيتش دورا محوريا في تمكين مصر من عرض قضيتها أمام الجمعية العامة.
وأوضح أن يوغسلافيا شاركت كذلك في قوات الطوارئ الدولية بعد العدوان الثلاثي، ووقفت ضد دول العدوان، خاتما بتساؤل حول مدى تأثير موقفها في تغيير مسار الأزمة في ظل التنافس الدولي على النفوذ بالشرق الأوسط.
وعن صدى إعادة افتتاح القناة في الإعلام المصري، قدم د. خالد عبد الناغية ورقة ركزت على تغطية صحيفة الأهرام عام 1975، والتي تبنت خطابا وطنيا أكد على استعادة السيادة المصرية والريادة الإقليمية. وأوضح أن الافتتاح مثل انتصارا سياسيا واقتصاديا بعد ثماني سنوات من الإغلاق، وتوج انتصار أكتوبر 1973، كما أبرزت الصحيفة الاحتفالات الشعبية ورسائل السادات السياسية، مؤكدة أن القناة رمز للكرامة الوطنية والاقتصاد القومي وليست مجرد ممر مائي.
أما د. حمدي حامد خليفة فتناول في دراسته الدور البريطاني في إعادة افتتاح القناة عام 1975، موضحا أن إغلاقها عقب حرب يونيو 1967 كان له تداعيات اقتصادية وسياسية جسيمة على مصر والعالم، وأشار إلى أن المملكة المتحدة لعبت دورا محوريا في دعم إعادة تشغيل القناة عبر المساندة اللوجستية والفنية والدبلوماسية، وركزت الدراسة على تحليل دوافع بريطانيا وراء هذا الدعم، وأثره على إنجاح الافتتاح، وانعكاساته على العلاقات المصرية–البريطانية والمشهد الدولي.
كما جاءت مداخلة د. نهاد عبد الباسط محمد لتؤكد أن إعادة تشغيل قناة السويس عام 1975 لم تكن مجرد عمل فني، بل قرار استراتيجي ارتبط بمكانة مصر بعد إغلاقها إثر حرب 1967، وأوضح أن الرئيس السادات قاد جهود إعادة الافتتاح ببناء الثقة الدولية وإعمار مدن القناة، وأن مصر استعانت بخبراء دوليين لإزالة الألغام ومخلفات الحرب، وفي احتفال عالمي حضره ممثلون من أكثر من 50 دولة، عادت القناة لتؤكد حضور مصر الدولي وهيبتها السياسية.
وأكد أن القرار حقق انتعاشا اقتصاديا نسبيا، ودعم توجه مصر نحو الانفتاح على الغرب.