بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

مايكروسوفت تنهي تعاونها مع الجيش الإسرائيلي عقب فضيحة تجسس على غزة والضفة

بوابة الوفد الإلكترونية

كشفت صحيفة الجارديان البريطانية عن خطوة مفاجئة اتخذتها شركة مايكروسوفت، تمثلت في وقف تعاونها مع الجيش الإسرائيلي وحظر استخدامه لتقنياتها بعد فضيحة تورطه في برنامج مراقبة واسع النطاق استهدف ملايين المكالمات الهاتفية للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.

 القرار جاء ليضع نهاية لعلاقة استمرت نحو ثلاث سنوات بين الشركة الأمريكية العملاقة ووحدة 8200، وهي أبرز وحدات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.

خلفية القضية: انتهاك شروط الخدمة

بحسب المصادر التي تحدثت للصحيفة، أبلغت مايكروسوفت المسؤولين الإسرائيليين في أواخر الأسبوع الماضي بأن وحدة 8200 انتهكت شروط الخدمة الخاصة بالشركة، من خلال تخزين كميات هائلة من بيانات المراقبة على منصة "أزور" السحابية. 

وكانت هذه الوحدة تعتمد على القدرات الهائلة للتخزين والمعالجة التي توفرها مايكروسوفت لتشغيل نظام مراقبة ضخم يتيح التنصت على المكالمات وتحليل محتواها بشكل آلي.

وبحسب التحقيق الذي نشرته الجارديان بالتعاون مع مجلة +972 وموقع Local Call الإسرائيلي، فإن التعاون بين الطرفين بدأ في عام 2021 عقب اجتماع جمع الرئيس التنفيذي لمايكروسوفت، ساتيا ناديلا، مع قائد الوحدة حينها يوسي سارييل. ومنذ ذلك الوقت توسعت العمليات لتشمل تخزين ما يصل إلى 8000 تيرابايت من البيانات الصوتية التي جُمعت من الفلسطينيين.

شعار "مليون مكالمة في الساعة"

داخل أروقة وحدة 8200، جرى تداول شعار يعكس حجم المشروع وطموحه: "مليون مكالمة في الساعة". هذا الشعار لم يكن مجرد دعاية داخلية، بل تجسيداً لقدرات المراقبة غير المسبوقة التي وفرتها تقنيات مايكروسوفت. ووفقاً للمصادر، كانت البيانات تحفظ في مركز بيانات تابع للشركة في هولندا، قبل أن تُنقل لاحقاً خارج الاتحاد الأوروبي بعد نشر التحقيق الصحفي. وتشير تقديرات استخباراتية إلى أن الجيش الإسرائيلي كان يخطط للانتقال إلى منصة "أمازون ويب سيرفيسز"، إلا أن الشركة لم تُدلِ بأي تعليق حتى الآن.

 

التحقيقات الصحفية دفعت مايكروسوفت إلى فتح مراجعة خارجية عاجلة لعلاقتها بالجيش الإسرائيلي. وأسفرت النتائج الأولية عن إلغاء وصول وحدة 8200 إلى خدمات التخزين السحابي وبعض أدوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة. هذا القرار لم يكن نابعاً فقط من القلق القانوني، بل جاء أيضاً نتيجة ضغوط كبيرة من موظفين ومساهمين أعربوا عن رفضهم لاستخدام تقنيات الشركة في عمليات عسكرية مثيرة للجدل.

براد سميث، نائب الرئيس ورئيس مجلس إدارة مايكروسوفت، أكد في رسالة بريد إلكتروني داخلية أن الشركة "أوقفت خدماتها لبعض وحدات وزارة الدفاع الإسرائيلية"، مشدداً على أن مايكروسوفت "لا تقدم تقنيات تتيح مراقبة المدنيين على نطاق واسع". وأضاف أن هذا المبدأ التزمت به الشركة لأكثر من عقدين، ولن تحيد عنه في أي منطقة من العالم.

 

القضية لا تقتصر على الجوانب التقنية أو القانونية فحسب، بل تحمل أبعاداً إنسانية خطيرة. إذ أشارت مصادر استخباراتية إلى أن منصة التخزين السحابي لمايكروسوفت استُخدمت خلال الحرب الأخيرة على غزة في التخطيط للغارات الجوية التي خلفت آلاف الشهداء. وبحسب تقارير أممية، فقد أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى استشهاد أكثر من 65 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، ما تسبب في أزمة إنسانية غير مسبوقة.

ولم يكن مستغرباً أن تتزامن هذه التطورات مع إعلان لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة أن إسرائيل ارتكبت جرائم إبادة جماعية في غزة، وهو استنتاج تنفيه تل أبيب، لكنه يحظى بتأييد خبراء بارزين في القانون الدولي. هذا التناقض بين الموقف الرسمي الإسرائيلي والنتائج القانونية عزز من حدة الانتقادات الموجهة إلى شركات التكنولوجيا العالمية التي يُشتبه في دعمها بشكل مباشر أو غير مباشر لمثل هذه الانتهاكات.

احتجاجات وحملات مقاطعة

إلى جانب الضغوط الداخلية، واجهت مايكروسوفت موجة احتجاجات خارجية. فقد شهدت مقار الشركة الرئيسية في الولايات المتحدة وأحد مراكز بياناتها في أوروبا تظاهرات نظمها نشطاء حقوقيون، رفعوا شعار "لا لخدمات مايكروسوفت السحابية لدعم نظام الفصل العنصري". وطالب المحتجون بقطع جميع أشكال التعاون مع الجيش الإسرائيلي، معتبرين أن تورط الشركة في مثل هذا المشروع يضعها في دائرة الاتهام بالمشاركة في انتهاكات حقوق الإنسان.

انعكاسات القرار على مستقبل التعاون التقني

يمثل قرار مايكروسوفت نقطة تحول بارزة في العلاقة بين شركات التكنولوجيا الكبرى والمؤسسات العسكرية، خصوصاً في ظل تنامي المخاوف بشأن الاستخدام المفرط للأدوات الرقمية في المراقبة والتجسس. وعلى الرغم من أن مايكروسوفت لم تغلق الباب أمام التعاون مع الحكومات بشكل عام، إلا أنها أكدت أن أي اتفاق مستقبلي يجب أن يلتزم بمعايير صارمة تضمن عدم استغلال التكنولوجيا للإضرار بالمدنيين.

وبالنسبة لإسرائيل، فإن خسارة الدعم التقني من مايكروسوفت تمثل ضربة موجعة لبرامجها الاستخباراتية. ورغم محاولتها التحول إلى مزودين آخرين مثل أمازون، إلا أن فقدان أحد أهم الشركاء في مجال الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي قد يحد من قدرتها على تنفيذ مشاريع المراقبة بنفس الكفاءات.

إن قرار مايكروسوفت بقطع تعاونها مع الجيش الإسرائيلي لا يُعد مجرد خطوة تقنية أو تجارية، بل هو موقف أخلاقي وسياسي يعكس إدراكاً متزايداً لمسؤولية شركات التكنولوجيا عن كيفية استخدام منتجاتها. القضية تفتح الباب لنقاش عالمي حول حدود العلاقة بين الابتكار التكنولوجي والأمن القومي، وحول الدور الذي يجب أن تلعبه الشركات العملاقة في حماية حقوق الإنسان، بدلاً من التورط في انتهاكها