رحلة بصرية في قلب المقابر.. «في حضرة الموت» يرصد حياة الناس وسط الأضرحة

أعلنت لجنه تحكيم مسابقة أفلام الطلبة برئاسة السيناريست وليد سيف وبمشاركة أستاذ السيناريو بمعهد السينما د. ثناء هاشم وأستاذ التصوير بمعهد السينما د. محمد شفيق عن فوز الفيلم التسجيلى القصير “بحضره الموت” للمخرجة رانيا على بجائزة جمعية بورسعيد للفنون الثقافية والمسرحية لشباب السينمائيين.
يأتي العمل كرحلة بصرية ومعرفية في قلب أحد أكثر الأمكنة ثراءً بالرمزية في القاهرة، وهي مدينة الموتى. المكان الذي ارتبط عبر القرون بالموت والفناء، يكشف عبر عدسة المخرجة عن وجه آخر، وجه يحمل تفاصيل حياة كاملة، تنبض بحكايات البشر وتختزن تاريخًا معماريًا وفنيًا ممتدًا.

بين التوثيق والمعايشة
اختارت المخرجة أن تنتقل فعليًا إلى موقع الأحداث، لتكون قريبة من الناس الذين يعيشون في المقابر منذ عقود، لتكشف أن هذا المكان ليس فقط مقبرة كبرى، بل هو أيضًا حي سكني له إيقاعه الإنساني اليومي. الكاميرا تتنقل بين الأزقة والبيوت المتاخمة للأضرحة، لترصد حياة بسيطة ولكنها مفعمة بالرمزية والتناقضات.
التاريخ في أحجار الأضرحة
الفيلم لا يكتفي برصد حياة المعاصرين، بل يعود إلى الوراء ليقدّم قراءة بصرية لتاريخ العمارة الجنائزية في مصر، بدءًا من العصور الوسطى وحتى العصر الحديث. تنوع الأضرحة من حيث الطراز الفني والملامح المعمارية يعكس تطورًا حضاريًا وثقافيًا، ويجعل من المقابر سجلًا حيًا يمكن قراءته عبر الزمن.
شخصيات من قلب المكان
من أبرز الشخصيات التي يضيئها العمل الطفلة مريم حمزة الليثي وجدها أحمد الليثي، والطفلة علياء أحمد مجدي الليثي وجدها مجدي الليثي. هؤلاء لا يظهرون فقط كأفراد يعيشون بين المقابر، بل كرموز لعائلات كاملة صنعت توازنًا صعبًا بين قسوة المكان وضرورات الحياة. من خلالهم يبرز الفيلم المفارقة: كيف يمكن للطفولة أن تكبر وسط رموز الفناء، وكيف يصبح التعايش مع الموت جزءًا من الاعتياد اليومي.
الفلسفة الكامنة وراء الصورة
لا يقف الفيلم عند التوثيق المباشر، بل ينفتح على تساؤلات أعمق: هل يمكن أن نعيش وسط الموت دون أن نفقد شغف الحياة؟ وهل يتحول المكان المخصص للفناء إلى شهادة على استمرارية الإنسان وإصراره على البقاء؟ إن التوتر بين الموت والحياة هو جوهر التجربة التي يقدمها «في حضرة الموت»، حيث يتعايش النقيضان في مساحة واحدة، لتصبح المقابر مسرحًا لصراع إنساني وفلسفي في آن.
إضافة للذاكرة البصرية
بهذا الطرح، يقدم الفيلم إضافة مهمة للسينما الوثائقية المصرية، إذ يجمع بين التوثيق التاريخي والتحليل الاجتماعي والرؤية الفلسفية. المخرجة لم تكتفِ بعرض صور ثابتة للمكان، بل أعادت صياغته كفضاء مفتوح للجدل والتأمل ،على المستوى الفني، تميز الفيلم بالاعتماد على إيقاع بصري هادئ يسمح للمتلقي بالتأمل في الصور والمعاني. اعتمدت الكاميرا على زوايا واسعة تُظهر الامتداد المعماري للمكان، إلى جانب لقطات قريبة تكشف ملامح الشخصيات وتفاصيل حياتهم اليومية. المونتاج جاء متناغمًا مع طبيعة السرد، متدرجًا بين التوثيق التاريخي والمشاهد الإنسانية، بينما أسهمت المؤثرات الصوتية والموسيقى المصاحبة في تعزيز الجو التأملي للعمل، مما جعل الصورة تتجاوز حدود المشاهدة إلى مساحة من التفكير والتساؤل.