بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

رادار

ترامب.. وفلسفة الأمراض السياسية

فى مشهد يليق بكوميديا سوداء من إنتاج هوليوود–فوجئ الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون–بأن موكبه متوقف على الطريق السريع فى أمريكا، ليس بسبب حادث مرورى أو احتجاجات–بل لأن موكب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يمر، وهكذا وقف رئيس دولة نووية–شريك استراتيجى للولايات المتحدة–حبيس سيارته يتأمل الأضواء الحمراء كأى سائح عادى، ثم يضطر للاتصال بترامب ليخبره أنه عالق بسبب مرور موكبه.. هذه اللقطة ليست مجرد حادث بروتوكولي–بل تلخص فلسفة حكم ترامب–ألا وهى.. قلب الطاولة وكسر القواعد وإرسال رسائل واضحة مفادها أن العالم كله بمن فيه رؤساؤه–عليهم أن ينتظروا عندما يمر موكب رئيس أمريكا.

ترامب–لم يرَ فى قادة العالم نظراء–بل شخصيات ثانوية فى عرض تليفزيونى ضخم كان هو بطل حلقاته.. تذكروا مشادته الشهيرة مع–جاستن ترودو–رئيس وزراء كندا، وكيف اتهمه بالخيانة على تويتر كما لو كان يوبخ موظفا عنده أمام بقية العاملين–أو مكالمته التى لا تنسى مع رئيس أوكرانيا التى مزج فيها بين السياسة الدولية ومساومات رجال الأعمال–حتى الرئيس الموريتانى لم يسلم من التعالى الفج الذى يخلط بين المجاملة والتهديد.. وغيرهم الكثير–فهل كانت هذه تصرفات رجل مختل نفسيا–أم أنه كان يتعمد إذلال الآخرين ؟.. بعض خبراء علم النفس السياسى يرون أن ترامب مثال حى (للنرجسية السلطوية) حيث يستمد لذته من إخضاع الآخرين لإرادته والأمثلة كثيرة شاهدة على تلك التصرفات.. فتوقيف موكب ماكرون، سواء كان قرارا أمنيا عابرا أو توجيها مقصودا يعكس فلسفة تقول.. فى أمريكا–السيادة تعنى أن العالم كله يقف عندما نمر.. لكن المدهش أن ما فعله ترامب لم يكن خروجا كاملا على تقاليد السياسة الأمريكية بل كان مجرد كشف فج لوجهها الحقيقى.. لعقود كانت واشنطن تمارس الغطرسة نفسها لكن بربطة عنق من الدبلوماسية الناعمة–كانت تخفى اليد الثقيلة بابتسامات ودعوات إلى البيت الأبيض.. أما فى عهد ترامب–فقد تم نزع القفازات الحريرية، وأصبحت اللعبة على المكشوف.. نحن القوة العظمى، والبقية مطالبون بالاصطفاف خلفنا أو البقاء على الرصيف.

وهنا يطرح السؤال نفسه–هل كان يجب على ماكرون أن يرد بغضب ويصدر بيانا هجوميا؟.. فما جرى ليس إهانة لشخصه فقط، بل مساس بهيبة فرنسا كدولة.. بعض المدارس الدبلوماسية ترى أن اتخاذ موقف صارم كان ضروريا لحفظ كرامة الدولة، حتى لو كان مجرد بيان يطالب بضمانات بعدم تكرار ما حدث.. لكن فى المقابل–ماكرون–كان يدرك أن أى تصعيد علنى قد يدفع ترامب إلى رد فعل أكثر استفزازا، ربما بتغريدة لاذعة تحول الواقعة إلى أزمة كاملة، فاختار ماكرون إذن الصمت أو التهدئة، وهو خيار يجنب فرنسا معركة شخصية مع رئيس يستمتع بالصدام–لكنه فى الوقت نفسه قد يقرأ على أنه تفريط فى رمز السيادة الفرنسية.

فى النهاية سواء اعتبرنا ترامب عبقريا فوضويا أو مريضا سياسيا فهو نجح فى تعرية المسرح الدولى.. العالم الآن يرى أمريكا بلا أقنعة–يرى غطرستها كما هى، بلا دبلوماسية تجميلية.. وما مشهد ماكرون العالق على الطريق إلا حلقة جديدة من مسلسل ترامب والعالم–مسلسل يذكرنا بأن السياسة الدولية لم تعد لعبة شطرنج راقية–بل مباراة مصارعة حرة على الهواء مباشرة.

وللحديث بقية.. إن شاء الله تعالى

[email protected]