حسين فهمى: دعم فلسطين واجب وطنى

نسعى أن يكون للمهرجان روح جذابة دائمه ويحافظ على مكانته الفنية
ونعرض 22 فيلمًا مرممًا لنشر التراث المصرى السينمائى
رفضنا عرضًا بمليون دولار ونقاطع أى منتج ضد القضية الفلسطينية
النجم القدير حسين فهمى ليس مجرد ممثل عريق اقتصر دوره على الشاشة، بل هو أيضًا رجل إدارة وحكمة يقود مهرجان القاهرة السينمائى بعناية وحسّ فنيٍ رفيع. فى الوقت الذى تتقاطع فيه الضغوط التجارية مع الواجب الثقافى، يظل فهمى متمسّكًا بمبادئ يرى فيها ضرورة للحفاظ على مكانة المهرجان التاريخية كأعرق تظاهرة سينمائية فى المنطقة العربية.
فهمى الذى عرفه الجمهور نجمًا وسيمًا لامعًا فى السبعينيات والثمانينيات ومازال محافظا على مكانته، عاد ليكشف عن وجهٍ آخر؛ وجه إدارى يُعيد صياغة المهرجان بصورة تليق بتاريخ مصر الثقافى. هو الفنان الذى عشق الشاشة، لكنه فى الوقت نفسه رئيس مهرجان يعى أن عليه مسئولية مضاعفة: الحفاظ على الإرث السينمائى والحفاظ على قيمة المهرجان وتطويره.
بدأ حديثه بموقف واضح وحازم من القضية الفلسطينية، مؤكّدًا أن مهرجان القاهرة سيكون دائمًا فى موضعِ وقوف ومساندة. كانت كلماته عن فلسطين مفتاحًا لباقى رؤيته: مهرجان لا يفرض عليه الضغط التجارى على حساب خطابٍ إنسانى وثقافى. وقال بوضوح إنه لولا هذا التحفّظ الوطنى لكان قد سلك سلوكًا آخر، لكن قيمة المهرجان الحقيقية، برأيه، ليست مقايضة بمال أو عروض مغرية، ولذلك رفض عرضا بمليون دولار كرعاية بدافع وطنى.

وقال، إن مهرجان القاهرة يظل وفيًا لموقفه تجاه القضية الفلسطينية. وذكر أن المهرجان تأثّر فى دورة سابقة لدرجة أنه اضطر لتأجيل فعالياته بسبب أحداث غزة، وأنه فى الدورة التالية كان الاحتفاء بالسينما الفلسطينية حاضرًا بقوة. وأكّد أن هذا النهج لن يتبدّل: المهرجان مستمر عبر منصته السينمائية للدفاع عن القضية ودعمها.
ودعم القضية يتجلّى فى الاختيارات البرمجية، وفى مساحة الاحتفاء للأصوات الفلسطينية داخل فعاليات المهرجان. وأشار إلى أن السينما الفلسطينية باتت جزءًا لا يتجزأ من نسيج المهرجان، وأن كل دورة جديدة تحمل معها مساحة جديدة لإظهار هذا الدعم. مضيفا ان المهرجان مهرجان الدولة» وأنه لا يمكن إقحامه فى صفقات مالية تُقوّض موقفه الوطنى. كما عبّر عن أن القيمة الحقيقية ليست فى المغريات المادية، بل فى الموقف الوطنى والاعتبار الثقافى.
واشاد فهمى الى المنافسة مع المهرجانات الدولية مشيرا الى انه يختلف تماما فى طبيعته عن المهرجانات الاخرى، أشاد بما يقدمه مهرجان الجونة من عملٍ جاد، لكنه شدّد أن مهرجان القاهرة، بعمقه وتاريخه، يسعى للجمع بين الجدية والتجديد مع الحفاظ على روحه الكلاسيكية. وشرح أن هذا الاندماج يبدأ بتفاصيل بسيطة تبدو شكلية لكنها تحمل معنىً: الالتزام بالزى الرسمى فى الافتتاح والختام، واختيار أعمال فنية تضع القيمة الفنية فوق اى اعتبار.
وأضاف أن التعاون بين المهرجانات ينبغى أن يكون هدفًا؛ استشهد بالحالة الفرنسية التى تضم أكثر من 500 مهرجان كمثالٍ يُظهر أن كثرة الفعاليات لا تقلّل من قيمة أى منها بل تُثرى المشهد السينمائى. كما ذكَرَ أن المشاركة عبر الجناح المصرى فى مهرجان كان أفضت إلى شراكات جديدة مع مهرجانات عالمية — إشارة إلى أن الانفتاح الدولى عامل مهم فى تعزيز حضور القاهرة، قائلا انه يتمنى اقامة شراكات مع مهرجان الجونة والأقصر وغيره من المهرجانات المصرية.
وأكد فهمى أن مهرجان القاهرة يظل وجهة جذابة للمخرجين الكبار، وأن اسمه وحده يجعل من عرض الفيلم فى هذه المدينة حدثًا ذا وزنٍ خاص. شدّد على أن البرمجة لن تخضع لسيطرة الذكاء الاصطناعى مشيرا انه لا يفضل هذه النوعية من التكنولوجيا لأنها لا تعطى روحا او حياة كما هى فى الافلام الكلاسيكية.
وعن دعم الشباب وخفض اسعار التذاكر لطلبه معاهد السينما قال، التذاكر المخفضة لطلاب السينما، وزيادة المشاريع المقدمة عبر «ملتقى القاهرة للصناعة»، وإعادة إحياء سوق مهرجان القاهرة لعرض وبيع المعدات السينمائية. كما أعرب عن حرصه الشخصى فى متابعة طلاب معهد السينما ومخاطبة رؤساء أكاديمية الفنون دومًا لدعمهم، وذكَر أنه كان يرسل أفلامًا إلى الأكاديمية كى يشاهدها الطلبة قبل أن يتحول الشريط السينمائى إلى الشكل الرقمى.
هذه المبادرات تعبّر عن رغبة واضحة فى بناء منظومة إنتاجية متكاملة تدعم صُناع السينما من الجيل الجديد وتتيح لهم أدوات العمل والمعرفة اللازمة للنمو والابتكار. وأوضح فهمى أن الاستثمار فى الأجيال الشابة ليس ترفًا، بل شرطًا لبقاء صناعة السينما نفسها.
أفصح فهمى عن أن الجهد فى ترميم التراث السينمائى يأخذ حيّزًا مهمًا فى دورة هذا العام: سيعرض المهرجان 12 فيلمًا مُرمّمًا جديدًا، إلى جانب 10 أفلام عُرضت فى الدورة السابقة بعد ترميمها، ليصل العدد الإجمالى إلى 22 عملًا. هذا الاهتمام لم يقتصر على جانب العرض فقط، بل شمل توفير ترجمات لتمكين الجمهور الأجنبى من متابعة هذه الأعمال التاريخية، مشيرا الى ان تقنية الترميم احتفائى بتاريخ السينما المصرية، وفرصة لإعادة ربط الحاضر بجذورٍ تحمل أسماء وأفكارًا ومناهج فنية كان لها بالغ الأثر فى تشكيل الهوية السينمائية. كما أكد فهمى أن المشروع مستمر، وأن الهدف أن تصل هذه الأفلام إلى كل بيت مصرى وعربى.
لم يغفل حديثه أثر التغطية العربية والدولية على مستوى المهرجان، مشيرًا إلى أن شراكات مع منصات إعلامية كبرى مثل «فوربس» و«فاريتي» تعزّز من صورة المهرجان عالميًا، وتنعكس على الاهتمام بالمحتوى العربى على المستويين الإقليمى والدولى. هذه الشراكات تسهّل أيضًا دخول الأعمال المصرية إلى منصات جديدة وتفتح أبوابًا للتعاونات الفنية والإنتاجية.
وعن تطوير المهرجان جغرافيا قال، للاسف نحن مرتبطون باسم المهرجان ان تقام فعالياته فى محافظة القاهرة، ولكن لأن قاعات العرض ليست فى احسن صورها خاصة وانه تم اغلاق العديد من السينمات ولذلك خرجنا للعرض فى التجمع الخامس ومدينة 6 اكتوبر لتوسيع النطاق الجغرافى للعروض والوصول لاكبر عدد من الجمهور.
واشار فهمى الى ازمة الفيلم المصرى فى كل عام موجوده، وان السينما المصرية اصبحت تعانى من مستوى تجارى فى الافلام فى الآونة الاخيرة وهذا ما يضطر له المنتج حتى يجمع ايرادات ولا يخسر ولكن الجانب التجارى غلب بشكل اكبر على الناحية الفنية، والآن نبحث عن الفيلم المصرى بصعوبة.
ختم فهمى حديثه بدعوة صريحة للجمهور للمشاركة فى مهرجان هذا العام، معبرًا عن أمله فى أن تكون الدورة «استثنائية» تعكس القيم الإنسانية والثقافية التى يؤمن بها المهرجان. كانت كلماته الأخيرة تحمل روح التفاؤل والالتزام، وأضاف أن المهرجان يسعى لتقديم رسالة تضامن قوية مع قضايا العالم العربى من خلال منصة السينما.
وقال أيضًا: «المهرجان ليس حدثًا نخبويًا مغلقًا على فئة معينة، بل هو مساحة للجميع؛ للطلبة والباحثين وعشاق السينما والجمهور البسيط الذى يحب مشاهدة الأفلام». بهذه العبارة اختصر حسين فهمى فلسفته فى الإدارة: مهرجان القاهرة ليس للمهرجان نفسه، بل لمصر والمنطقة بأسرها.