نور
دولة فلسطين
كل من يٌقلل من قيمة اعتراف عددٍ من الدول الأوروبية الكبرى مثل إنجلترا وفرنسا بالدولة الفلسطينية هو مخطئ وآثم قلبه!! وكل من لا يجد فى الاعتراف بهذه الدولة طريقًا لإقامة دولة مستقلة، هو غير قادر على قراءة التاريخ الذى ينحاز لفكرة الكفاح السياسى والنضال السلمى لحصول الشعوب على حقوقها فى مواجهة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي!!
ما يحدث فى غَزة الآن، واجهته من قبل شعوبَ بلدانٍ كثيرة أشهرها جنوب إفريقيا التى واجه شعبها عمليات قتل يومى لمدة تجاوزت الرُبع قرن على أيدى قوات الفصل العنصري، وتعرض قائدَ هذا الكفاح «نيلسون مانديلا» لأقصى فترات السجن المتواصلة فى زنازين حكومة أصحاب البشرة البيضاء، لرفضه ممارسات المهاجرين البيض ضد أصحاب الأرض الأصليين، ولم يكن أحدًا يتصور أن مانديلا ذاته سيصبح رئيسًا للبيض والسود معًا فى أكبر دروس الكفاح من أجل الاستقلال.. فما بالك ببلدٍ يكافح منذ 77 عامًا من أجل حصول شعبه على حقوقه المشروعة؟!
يجب أن تراجع تفاصيل الأخبار التى تصدرت نشرات الشاشات، منذ مساء أمس الأول الإثنين، فقد تصدرت أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقضية الاعتراف بدولة فلسطينية الدورة السنوية الثمانين للاجتماعات، لنتابع سويًا فى حدث تاريخى الاعترافات المتتالية بالدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة.
هل كنت تُصدق أن يخرج رئيس وزراء بريطانيا العظمى، الدولة صاحبة نكبة وعد بلفور، وهو الوعد الذى تسبب فى وجود دولة إسرائيل، ليؤكد اعتراف بلاده بالدولة الفلسطينية المستقلة، وأن يتم رفع العلم الفلسطينى فى ذات اليوم مرفرفًا فى سماء المملكة المتحدة؟
هل تصدق الأحداث التى صاحبت اعتراف فرنسا رسميًا بالدولة الفلسطينية، وانحيازها لحل الدولتين، واعتباره بديلًا مبدئيًا وواقعيًا لإنهاء العنف والحروب المتكررة فى الأراضى الفلسطينية، وأن يقوم الرئيس الفرنسى «ماكرون» بدعوة جميع الدول للتأكيد على ضرورة إنهاء الحرب فى غزة.
لا تنسى فى ظل هذه الأنباء كلها أن مصر بسبب رفضها لما يحدث فى غزة، وامتناعها عن تنفيذ مشروع التهجير، قد تعرضت لأكبر عملية ابتزاز سياسى فى تاريخها، وأكبر مساومة فجة على سلامةِ أراضيها.. فكانت المساومة على الأرض مقابل إيقاف الضغوط السياسية والاقتصادية ضدها، كل هذا كانت تتعرض له بلدنا فى ظل تلويح مجرم بمخاطر سد النهضة على شعبها، ولكن هذه الدولة الكبيرة العظيمة كانت تكافح كفاحًا مريرًا من أجل الوصول لهذه اللحظة التاريخية وأن يكون للشعب الفلسطينى دولة تخرج من رحم الأمم المتحدة، فكان هذا هو مشروعها الأول والأخير فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهذا الموقف يأتى استكمالًا لدور مصرى واضح منذ عام 1948 خاص بحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره.
الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو خطوة نحو إيقاف هذه الحرب القذرة الدائرة فى غزة.. أما نتنياهو، الذى لايعرف سوى لغة الدم، فسوف يجد بلاده محاصرة برفض دول العالم لجرائمه فى غزة بعدما تغيرت نظرات شعوب أوروبا لدولة إسرائيل.. فهى لم تعد الدولة الصغيرة المسكينة التى تتعرض للدمار من العرب الأشرار.. ولكنها أصبحت دولة احتلال عنصرى تطرد السكان الأصليين من أراضيهم بالقوة من خلال ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
العالم يتغير.. وضوء قادم من النفق سوف يساهم فى مواجهة هذا الظلم.. والشمس سوف تضيء الطريق للإنسانية.. لامحالة.