أمل جديد للسينما
لم تكن أزمة فيلم مريم الأخيرة مجرد خلاف عابر، بل كانت جرس إنذار يكشف أن جيلاً كاملاً من المبدعين يقف أمام أبواب مغلقة، يبحث عن منفذ حقيقي لعرض أعماله. عشرات الأفلام التسجيلية والقصيرة تُنجز كل عام بجهود ذاتية وتمويل محدود، لكنها تصطدم بعقبة أساسية: أين تُعرض؟ ومن يشاهدها؟
في ظل هذا الواقع، يصبح من الطبيعي أن تتحمل وزارة الثقافة مسؤولية احتضان هذا اللون من الإبداع، عبر إطلاق منصة رقمية رسمية مخصصة لعرض هذه الأفلام. منصة أشبه بمكتبة سينمائية مفتوحة، تتيح للمخرجين الشباب تقديم أعمالهم، وتمنح الجمهور فرصة التعرف على أصوات جديدة وتجارب مختلفة ورؤى جريئة تُثري المشهد الثقافي المصري.
إن مثل هذه المنصة لا تلبّي فقط حاجة المبدعين، بل تواكب أيضًا التحولات العالمية؛ فالعرض عبر الإنترنت أصبح اليوم وسيلة معترفًا بها لتسويق الأعمال الفنية وتوسيع قاعدة الجمهور، بعيدًا عن قيود التوزيع التقليدي. بل إن العديد من الدول أطلقت بالفعل منصات وطنية للأفلام المستقلة، معتبرة إياها جزءاً من قوتها الناعمة وصورة لهويتها الثقافية.
أهمية المنصة المقترحة تتجلى في أكثر من جانب
تشجيع المبدعين الشباب: حين يدرك المخرج الشاب أن هناك نافذة مضمونة لعرض عمله، يتضاعف حماسه للاستمرار والتجريب.
حفظ التراث المعاصر: كثير من الأفلام التسجيلية توثق لحظات اجتماعية وتاريخية مهمة قد تضيع إن لم تجد وسيلة للحفظ والانتشار.
إتاحة المعرفة: المنصة ستكون مكتبة مفتوحة يتعرف من خلالها الجمهور على قضايا مجتمعه من منظور فنانين شباب.
بناء جسور مع العالم: يمكن أن تتحول المنصة إلى نافذة للتبادل الثقافي مع منصات ومهرجانات دولية.
قد يرى البعض أن إنشاء منصة يحتاج إلى تمويل وتقنيات وإدارة، لكن التجربة تثبت أن الإرادة وحدها قادرة على صنع الفارق. يمكن أن تبدأ المبادرة بخطوة متواضعة عبر موقع رسمي بسيط تحت رعاية وزارة الثقافة يُحدَّث دورياً، على أن يتطور لاحقًا ليصبح تطبيقًا متكاملًا مزوداً بخدمات الأرشفة والترجمة وإحصاءات المشاهدة.
إنقاذ جيل من الإحباط مسؤولية لا تحتمل التأجيل. وإذا كانت السينما المصرية قد صنعت تاريخها الكبير عبر الأفلام الروائية الطويلة، فإن مستقبلها قد يكون كامنًا بين كاميرات صغيرة وأحلام شباب يملكون الكثير ليقدموه. المنصة الرقمية المقترحة ليست مجرد وسيلة عرض، بل رسالة ثقة من الدولة إلى المبدعين: أنتم لستم وحدكم، وإبداعكم له مكان يليق به.