محمد عيسى يكتب: جامعة الأزهر.. غياب النظام الإداري و"كله بالحب"!

توجّهت صباح أمس الأحد إلى جامعة الأزهر الشريف لاستخراج شهادة تخرج من كلية الإعلام، رفقة صديقي الزميل الصحفي مصطفى مهدي والذي أخبرني أنه على عجالة من أمره بسبب أمر طارئ ألم به، أخبرته أن الأمر لن يتعدى بضع دقائق، لكن على غير توقعي استمر لأكثر من ساعتين بين كليات الجامعة في رحلة عبثية تكشف حجم التخبط الإداري داخل أروقة الجامعة الذي تجاوز حتى حد الروتين الممل المعروف للجميع.
البداية كانت من كلية الإعلام، التي تخرجت منها منذ عدة سنوات، توجهت إلى شؤون الكلية، لاستخراج شهادة تخرج لاحتياجي إليها، وسرعان ما سلمني الموظف إيصال الدفع، وأخبرني أنه يجب أن أتوجه إلى أي كلية مجاورة للدفع فيها؛ لأن الكلية لا تحتوي على خزينة للدفع، هذا طبعا لا يمت للتحول الرقمي والتقدم التكنولوجي الهائل الذي نسمع عنه، نذهب لمكان لنلبي الحاجة في مكان آخر، ليستحضر في ذهني مشهد ساخر من مسرحية مدرسة المشاغبين الشهيرة، بين عباقرة الكوميديا في مصر حسن مصطفى وسعيد صالح الذي جاء فيه: "هو يعني عشان أذاكر لازم أروح لما وراء أعالي البحار!!".
..لكن على الفور اتجهت ناحية كلية الدراسات الإسلامية رغم أني خريج كلية الإعلام، وحينما سألت عن الخزينة أبلغوني أن الدفع لم يعد بالفيزا أو الكاش، بل من خلال كود ويتم الدفع عبر "فوري"، ويجب أن توفّر كليتي هذا الكود للدفع من خلال الخدمة.
عدت إلى كلية الإعلام - تاكسي رايح وتاكسي جاي بصوت سعيد صالح - وحينما أخبرت موظف الشؤون بذلك أخبرني أن "الخريجين القدامى" ليس لهم كود، وأن عليهم الدفع في خزينة أي كلية قريبة ولا مشكلة في ذلك، أليس الكلية التي أتواجد فيها هي أقرب إليّ يا سيدي؟، فأنا أقف تحت سقفها وبين أيديكم، وما أقرب من ذلك؟.
ذهبت إلى كلية التربية، وكان رد الموظف: "مبناخدش إلا من الطلاب بتوع كليتنا بس، وارجع لكليتك هما يتصرفوا ويوفرولك خزينة تدفع فيها ملناش علاقة"، وهذا الرد مشابه تمامًا لما جاء في كلية التجارة بعدما اتجهت إليها لعلها تكون المحطة الأخيرة، لدفع رسوم استخراج "الشهادة الذهبية" وكان رد الموظف: "مش شغلي يا أستاذ روح كليتك يتصرفولك".
لم يكتف الأمر عند هذا الحد، ترجلت إلى كلية اللغات والترجمة، وحينما ذهبت إلى الموظفة المختصة، أبلغتني أنها لديها تعليمات ألا تتعامل إلا مع أبناء الكلية فقط، وفي هذه الأثناء دخل المشرف أو رئيسها المباشر، وحينما أخبرته بالأمر قال لي: "مفيش إلا وصلين بس اللي باقيين في الدفتر عندي وطلاب كليتي أولى بيهم"، ثم أخبر الموظفة حينما تنتهي من الإيصالين الموجودين، أن تغلق الخزينة "خلصي الوصلين اللي معاكي واقفلي وتعالي، مفيش دفاتر تانيه للدفع، "احنا بلغناهم ومبعتوش براحتهم مش هنتعب دماغنا" وتركنا وذهب.
ذهبت بعدها إلى وكيل الكلية للتعليم والطلاب الدكتور وائل نبيل إبراهيم، تصادفت بوجود الشخص الذي اخبرني أن طلاب كليته أولى بالإيصالين، وحينما أخبرت وكيل الكلية، رد هذا الشخص قائلًا: "قلت لك بالأسفل: لا يوجد وصولات، اذهب وقدّم شكوى في إدارة الجامعة، وافعل ما تشاء!"، كل هذا حدث بحضور وكيل الكلية، الذي لم ينطق سوى بكلمة واحدة "ربنا ييسر الحال"، واكتفى بالصمت التام.
حتى لا ننسى...
معذرة صديقي الذي تسببت في تأخيره، ووعدته بأن الأمر لن يستغرق سوى دقائق معدودة، لكن يبدو أنها كانت مع دودة سيرها ابطأ من سلحفاة تسابق عقارب الساعة السريعة.
عدت مجددًا إلى كلية الإعلام، وحينما أبلغت أحد الموظفين بما جرى وأنني لا أستطيع الدفع أعمل إيه؟ رد قائلًا: "كله بالحب... خلّص نفسك في أي كلية ومشِّي أمورك" سألته إن كانت هناك كلية محددة أخرى يمكنني الذهاب إليها، فقال: "أي كلية، المهم بالطريقة تعرف تخلص مصلحتك".. بعدها استقليت سيارتي وتوجهت إلى عملي وأنا في حالة ذهول تام دون أن أدفع رسوم استخراج شهادة التخرج وتمنيت لو لم التحق بها في يوم من الأيام!
ما حدث ليس مجرد موقف عابر، بل نموذج فجّ، على غياب أي نظام إداري داخل أروقة الجامعة وتخبط في المسؤولية، وضياع والوقت بلا أي فائدة.
ونصيحتي لطلاب وخريجي جامعة الأزهر، إذا كنت تريد أن تستخرج أي ورقة أو تريد أن تبحث عن حل لأي مشكلة فعليك أن تطبق المقولة التي قالها الموظف "كله بالحب!".