بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

ٱليات تعبئة القطاع الصناعي عند الحروب

في عالمٍ تتسارع فيه وتيرة الأزمات والتحولات، وتتزايد فيه التحديات الجيوسياسية والاقتصادية، لم تعد خطة "التعبئة العامة" مقتصرة على المجهود الحربي أو الأمني فقط، بل أصبحت ضرورة قصوى للحفاظ على مقدرات الدول وسيادتها واستقلالها الاقتصادي في مواجهة ظروف إستراتيجية معينة. إننا في مصر، نحتاج إلى رؤية استراتيجية واضحة لما يمكن أن نطلق عليه "تجييش الصناعة" أو "خطة تعبئة عامة للصناعة المصرية" لمواجهة أي طارئ مستقبلي يهدد المصالح العليا للبلاد.


إن مصطلح " تجييش الصناعة أو التعبئة العامة للصناعة " في جوهره يتجاوز معناه الحرفي ليصبح فلسفة عمل وطنية في ظروف إستثنائية. إنه يعني قدرة الدولة على توجيه مواردها الصناعية بكفاءة ومرونة لخدمة هدف وطني كبير، سواء كان ذلك هدفًا دفاعيًا في حالة الحرب، أو هدفًا صحيًا كما حدث في جائحة كورونا، أو حتى هدفًا تنمويًا في خطة قومية طموحة لفترة مؤقتة دون تعارض مع المباديء الأساسية لإدارة الإقتصاد. هذا المفهوم يختلف تمامًا عن الاقتصاد الموجه، بل هو أقرب إلى توجيه بوصلة الصناعة نحو البقاء الإستدامة في أوقات الحروب والأزمات  والكوارث الحسيمة.

وإذا نظرنا إلى التاريخ لنستلهم الدروس، سنجد أن الصناعة الألمانية - على سبيل المثال - لعبت دورًا محوريًا في قدرة ألمانيا علي الإستمرار في الحرب العالمية الثانية لعدة سنوات رغم ضخامة المعسكر المناهض لها. فبمجرد تحويل الاقتصاد إلى "اقتصاد حرب"، تمكن الألمان من توجيه مصانعهم المدنية، مثل مصانع السيارات الشهيرة، لتصبح ترسانات لإنتاج الدبابات والمعدات العسكرية علي سبيل المثال لا الحصر. وهذا التحول لم يكن ليتم لولا وجود تخطيط مسبق وبنية صناعية قوية، على الرغم من أن هذا النموذج ارتبط بالعمالة القسرية واستغلال موارد الدول المحتلة، وهو ما لا يمكن أن يكون مقبولًا أخلاقيًا في أي سياق. لكن جوهر الفكرة هنا هو القدرة على مواجهة الظروف الاستراتيجية القاسية والإستثنائية بإقتصاد يتسم بالمرونة والتكيف.


إن التجربة الألمانية، رغم مرارتها، تقدم لنا دروسًا قيمة، حيث أنها تؤكد أن القوة الحقيقية للدولة تكمن في قدرتها على تنظيم القطاع الصناعي وتوجيهه لخدمة المصلحة العليا للوطن خاصة في زمن الأزمات والحروب. لقد إستطاع وزير التسليح الألماني، ألبرت شبير، أن يزيد من إنتاجية السلاح بشكل مذهل، حتى في ظل القصف الجوي الكثيف للحلفاء، وذلك بفضل تنظيم الصناعة وابتكار تقنيات جديدة.

ومن هذا المنطلق، فإن ما تحتاجه مصر هو " خطة تعبئة عامة للصناعة المصرية " أو خطة تجييش الصناعة لخدمة الجهود القومية لمواجهة تبعات أي مواجهة عسكرية طويلة الأمد أو كارثة طبيعية أو صحية أو غيرها من أنواع الكوارث، ويمكن تحديد الملامح الرئيسية لتلك المواجهة علي النحو التالي :  

١- حصر وتصنيف الصناعات الوطنية: يجب أن نعرف بدقة أي مصنع يمكن أن يتحول لإنتاج قطع غيار أو مواد أساسية عند الضرورة. أي مصنع يمكن أن ينتج أجهزة طبية أو حتى إمدادات غذائية في حالة الطوارئ.

٢- خلق سلاسل إمداد محلية متكاملة: لكي لا نقع فريسة للظروف العالمية. فجائحة كورونا كشفت هشاشة سلاسل الإمداد العالمية وأظهرت أهمية الاعتماد على الذات.

٣- تنمية المهارات والكوادر البشرية: لا يمكن لتعبئة صناعية أن تنجح دون وجود عمالة مصرية ماهرة ومدربة على أعلى مستوى، قادرة على التكيف مع متطلبات الإنتاج المتغيرة.


إن تجييش الصناعة الوطنية (عند الحاجة) من خلال إعداد "خطة تعبئة عامة للصناعة المصرية" ليست مجرد مقترح نظري، بل هي ضرورة إستراتيجية قصوى. فبدلًا من أن ننتظر الأزمة لتفاجئنا، يجب أن تكون لدينا خطة عمل جاهزة للاستجابة السريعة، سواء كان ذلك بزيادة الإنتاج المحلي، أو تحويل خطوط الإنتاج، أو حتى دعم وتنمية الصناعات الاستراتيجية. وإنني أرى أن تحقيق هذه الخطة يبدأ من حوار وطني جاد يجمع بين الدولة والقطاع الخاص، والأكاديميين في الجامعات ومراكز البحوث وخبراء الصناعة، والخبراء العسكريين والإقتصاديبن والخبراء المصرفيين والماليين والحركة العمالية وغيرهم من الأطراف ذات الصلة، لأن المسؤولية مشتركة، والهدف واحد ... وهو صناعة مصرية قوية، قادرة على الصمود والنمو، ومستعدة لكل طارئ، ليس فقط لتوفير إحتياجاتنا، ولكن أيضًا لكي تصبح قاطرة التنمية التي تليق بمصر ومستقبلها.

 

المستشار الأسبق لوزير البيئة 
الأمين العام المساعد لنقابة العاملين في وزارة البيئة سابقا 
المتخصص في الصناعة والبيئة والجودة