بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

مخدر الايس يزحف بين الشباب رغم الضربات الأمنية الناجحة

بوابة الوفد الإلكترونية

رغم أن وزارة الداخلية أعلنت عن مصادرات قياسية وأطنان من المواد المخدرة، لا يزال مخدر الآيس يزحف بين الشباب المصري في القرى والمراكز والمدن الكبرى، ليترك خلفه سلسلة من حالات الإدمان والعنف المفاجئ وتدهور الصحة النفسية والجسدية.

في كل محافظة، من القاهرة إلى أسيوط، تكشف مقابلات مع أسر ومدمنين وأطباء عن واقع مختلف تماما عن ما تظهره الأرقام الرسمية، حيث تستمر شبكات التوزيع الصغيرة والتهريب المحلي في ضمان تدفق المادة رغم الحملات المكثفة، ما يجعل المواجهة الأمنية تبدو كمعركة مؤقتة في حرب طويلة لم تنته بعد.


الداخلية تحارب بشراسة ومخدر الايس يصعد بقوة بين المراهقين

لم يعد الحديث عن مخدر الايس مجرد قصة عابرة بين صفحات الحوادث، بل تحول إلى ملف استراتيجي تتعامل معه وزارة الداخلية بحملات متواصلة.

في النصف الأول من العام فقط أعلنت الوزارة عن ضبط ما يقارب نصف طن من المواد المخدرة المختلفة، بينها كميات ضخمة من الايس.

هذه الأرقام تعكس شدة المواجهة، لكنها في الوقت ذاته تطرح سؤالا جوهريا: لماذا يزداد حضور هذا المخدر في القرى والمراكز رغم الضربات الأمنية المكثفة؟

أرقام تعكس المواجهة

في محافظة الجيزة نجحت الأجهزة الأمنية في إسقاط شبكة بحوزتها 32 كيلو جراما من الايس، بينما شهدت قنا ضبط 5 كيلو جرامات في عملية استهدفت أحد المراكز الحيوية.

وفي المنيا سجلت الحملات الأمنية مصادرات متفرقة لمعامل صغيرة محلية. البيانات تشير إلى أن قيمة هذه المضبوطات تصل لمليارات الجنيهات إذا حسبت بسعر السوق، ما يكشف ضخامة التجارة وسرعة دورانها.

مصادرات الداخلية حسب المحافظات والمراكز

بحسب بيانات رسمية صادرة عن وزارة الداخلية، تمكنت الحملات الأمنية خلال الأشهر الستة الأولى من العام من ضبط كميات ضخمة من مخدر الايس في محافظات مصرية مختلفة.

في الجيزة تم ضبط 32 كيلو جراما موزعة على ثلاثة مراكز الوراق، الحوامدية، وأكتوبر. في المنيا بلغ إجمالي المضبوطات 12 كيلو جراما شملت مراكز سمالوط وبني مزار وديرمواس، بينما في قنا تم ضبط 5 كيلو جرامات في مركز قوص ومركز نقادة.

كما سجلت البحيرة ضبط 8 كيلو جرامات في مراكز دمنهور وكفر الدوار. تشير البيانات إلى أن قيمة هذه المضبوطات السوقية تصل إلى أكثر من مليار جنيه تقريبا، ما يعكس ضخامة تجارة الايس وسرعة دورانها.

الواقع داخل المستشفيات

بعيدا عن جداول الأرقام الأمنية، يظهر وجه آخر للأزمة داخل غرف الطوارئ،  ففي مستشفى الإسماعيلية الجامعي على سبيل المثال، تم تسجيل ارتفاع في حالات التسمم الناتجة عن تعاطي الكريستال ميث، وهو الاسم العلمي لمخدر الايس.

الأطباء يحذرون من أن المادة تسبب انهيارا سريعا في الجهاز العصبي، وتؤدي إلى سلوكيات عنيفة، ما يجعل التعامل مع المدمن تحديا أمنيا وصحيا في آن واحد.

عدد المتعاطين وأعمارهم حسب المحافظات

وفق تقديرات ميدانية ومقابلات مع أطباء ومراكز علاج الإدمان، يبلغ عدد المتعاطين لمخدر الايس في القاهرة الكبرى نحو 4 آلاف شاب بين سن 15 و28 سنة، بينما يصل العدد في الجيزة إلى نحو 3 آلاف، وفي محافظات الصعيد مثل المنيا وقنا يبلغ عدد المتعاطين نحو 2.5 ألف شاب تتراوح أعمارهم بين 16 و25 سنة.

وأكدت المصادر أن 60% من الحالات الجديدة هي من طلاب المدارس الثانوية، ما يعكس خطورة دخول المادة في سن مبكر وتأثيرها على التعليم والمستقبل المهني للشباب.

من القاهرة إلى القرى النائية مخدر الايس يواصل الانتشار

في قرية كفر الدوار بمحافظة البحيرة تحدثت المواطنة نادية علي ربة منزل عن شقيقها الذي تحول في أسابيع قليلة من شاب طموح إلى مدمن فاقد السيطرة، مشيرة إلى أن الأسرة اضطرت للاستعانة بالشرطة لنقله إلى مستشفى السموم.

وفي مركز سمالوط بالمنيا، يؤكد أحمد عبد الرحمن المحامي أن بعض طلاب المدارس الثانوية أصبحوا فريسة لتجار صغار يوزعون المخدر بجوار المؤسسات التعليمية. هذه الشهادات تكشف أن القضية لم تعد محصورة في المدن الكبرى.

في قرية كفر سلامة بمركز السنبلاوين محافظة الدقهلية، تقول نجلاء محمود، معلمة، إن أربعة من طلاب مدرستها وقعوا في فخ التعاطي خلال الأسابيع الماضية، وأضافت أن بعض الأسر لجأت إلى الشرطة والمستشفيات للتدخل المبكر.

بينما في قرية العسيرات بمركز فرشوط في قنا، تحدث عمرو السيد، ضابط سابق بمكافحة المخدرات، عن كيفية استخدام التجار لطرق إخفاء مبتكرة داخل الشاحنات الزراعية لضمان استمرار تدفق الايس إلى القرى البعيدة، مؤكدا أن الضربات الأمنية تصلح الوضع مؤقتا لكن السوق يتكيف بسرعة مذهلة.

الداخلية تضبط الأطنان ومخدر الايس يواصل انتشاره في القرى ومحاربة السوق الرقمي

ضباط مكافحة المخدرات يقرون بأن السوق يتكيف بسرعة مذهلة، فبعد كل عملية ضبط تظهر طرق توزيع جديدة، بعضها عبر تطبيقات الرسائل المشفرة، وأخرى عبر وسطاء متنقلين بين القرى.

حتى معامل التصنيع الصغيرة التي تم ضبطها في المنيا والفيوم تبرهن على أن الصناعة المحلية تساهم في استمرار التدفق. وهذا ما يجعل الإنجازات الأمنية تبدو في أحيان كثيرة كمعركة في حرب طويلة لم تنته بعد.

 

رصدت التحقيقات أن نحو 30% من شبكات توزيع الايس تعتمد على التطبيقات المشفرة ووسائل التواصل المغلقة للوصول إلى الشباب في المحافظات النائية، حيث يقوم الوسطاء بتوصيل المخدر مباشرة إلى المنازل أو نقاط تجمع الشباب.

وأكد خبراء أمنيون أن هذه الطريقة جعلت من الصعب على الحملات الأمنية تتبع كل المعاملات، ما يفسر استمرار انتشار المخدر رغم الضبطيات الكبيرة.

بالإضافة لذلك، يتم تصنيع كميات محدودة محليا في معامل صغيرة مضبوطة في المنيا والفيوم، ما يساهم في استمرار التوافر وتغطية الطلب المحلي بسرعة.

الحاجة إلى استراتيجية متكاملة

المختصون يرون أن الحرب ضد مخدر الايس لن تحسم فقط بالمداهمات والمصادرات، بل بتوسيع دائرة التوعية في المدارس والجامعات، وإقامة مراكز علاج متخصصة في المحافظات بدلا من اقتصارها على العاصمة والمدن الكبرى. فالشباب في قنا والمنيا وكفر الشيخ يفتقدون إلى فرص علاج سريعة وفعالة، ما يزيد من احتمالات الاستمرار في دوامة التعاطي.

خريطة انتشار المخدر في المحافظات والقرى

يظهر مسح ميداني أن انتشار مخدر الايس يغطي معظم محافظات الوجه البحري والصعيد، مع تركيز أعلى في: القاهرة الكبرى، الجيزة، المنيا، قنا، البحيرة، وأسيوط.

وتوضح البيانات أن القرى والمراكز الواقعة بالقرب من الطرق الزراعية والنهرية هي الأكثر تأثرا، حيث يتم توصيل المخدر بواسطة وسطاء محليين.

يبرز هذا التوزيع الحاجة إلى تدخلات مركزة لكل محافظة وفق أولويات: التوعية المدرسية، العلاج المبكر، والضربات الأمنية المستهدفة التي تتجاوز المدن الكبرى لتصل القرى البعيدة.

بين بيانات الداخلية وواقع الشارع مخدر الايس يتمدد بلا توقف

رغم الضربات الأمنية الناجحة والمصادرات القياسية، يظل مخدر الايس يتوغل بصمت في أعماق المجتمع المصري، يهدد شباب القرى والمدن على حد سواء، ويكشف عن فجوة كبيرة بين الأرقام الرسمية وواقع التعاطي.

وما بين أرقام رسمية تظهر نجاحات أمنية متتالية، وواقع اجتماعي يكشف عن انتشار متزايد، يظل مخدر الايس قنبلة موقوتة تهدد أجيالا كاملة.

 

المعركة الحقيقية لن تحسم بالقبض على شبكات التوزيع فقط، بل تحتاج إلى استراتيجية وطنية متكاملة تجمع الأمن والصحة والتعليم والمجتمع المدني لمواجهة هذا الخطر قبل أن يتحول إلى وباء مستعصي، ولتوعية الشباب، توفير العلاج المبكر، وقطع الطريق على تجار المخدرات قبل أن يتحول الايس إلى وباء مستعصي يهدد أجيالا كاملة.