الزاد
كلمة الرئيس الروشتة
نعم لم تحظ كلمة الرئيس الأخيرة بالتحليل الكافي من وسائل الإعلام المصرية، واكتفى كثيرون بقراءة سطحية لمضامينها، رغم أنها تحمل بين طياتها ما يشبه الروشتة العلاجية لأزمات المنطقة، ورسائل مباشرة لا تحتمل التأويل.
الرئيس لم يتحدث من فراغ، بل وضع خارطة طريق واضحة المعالم، تبدأ من رفض التهجير القسري لأهل غزة، وتأكيد الثوابت المصرية التاريخية تجاه القضية الفلسطينية، مرورًا بالدعوة إلى التكاتف العربي في مواجهة التحديات، وصولًا إلى طرح رؤية متكاملة للأمن القومي الإقليمي.
الرسالة الأبرز في الكلمة أن مصر ليست مجرد طرف مراقب، بل فاعل رئيسي يملك رؤية متوازنة، تسعى لوقف نزيف الدم وحماية مستقبل الشعوب. كلمة الرئيس جاءت بمثابة ناقوس إنذار، وتحذير من خطورة تجاهل ما يحدث، وفي الوقت نفسه عرضت الحلول الممكنة، بعيدًا عن المزايدات أو الشعارات.
إنها كلمة تصلح أن تُدرّس كنموذج للخطاب السياسي المسؤول، لأنها جمعت بين وضوح الرؤية، وصدق النية، ودقة التشخيص، لتصبح بالفعل روشتة علاج لأزمة معقدة تتشابك فيها المصالح والصراعات
كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى أمام القمة العربية الأخيرة لم تكن خطاباً بروتوكولياً، ولا مجرد مشاركة سياسية اعتيادية، بل وثيقة متكاملة تحمل رسائل استراتيجية بالغة الأهمية للأمة العربية والإسلامية، خصوصاً فى هذا التوقيت شديد الحساسية.
ومع ذلك، ما يثير الدهشة أن الإعلام المصرى لم يمنح الكلمة الاهتمام الذى تستحقه، ولم يتعامل معها بالتحليل العميق الذى يليق بمضامينها، بل اكتفى ببعض العناوين العامة والقراءة البسيطة، وكأنها مجرد خبر عابر. بينما الحقيقة أن الكلمة تضمنت رسائل صريحة،كان ولابد أن يعمل عليها الإعلام لأيام، لأنها تمثل خارطة طريق للموقف العربى فى مواجهة الانفلات الإسرائيلى والتهديدات التى تحيط بالمنطقة.
أبرز الرسائل فى كلمة الرئيس
1. إدانة العدوان الإسرائيلى على قطر، التأكيد أن ما جرى انتهاك جسيم للقانون الدولى وتهديد مباشر للأمن القومى العربى والإسلامى.
2. التحذير من الانفلات الإسرائيلى، إسرائيل تجاوزت كل الخطوط الحمراء، وسلوكها المنفلت يهدد بتوسيع رقعة الصراع ودفع المنطقة إلى دوامة خطيرة.
3. دعوة المجتمع الدولى للتحرك، لا بد من محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها، وإنهاء حالة الإفلات من العقاب التى باتت قاعدة فى التعامل معها.
4. رفض إفشال جهود الوساطة، إسرائيل لا تملك إرادة سياسية للسلام، وتتعمّد تعطيل أى تهدئة أو اتفاق يوقف نزيف الدم.
5. الرؤية المشتركة للأمن العربى والإسلامى، البناء على القرار الأخير للجامعة العربية كنواة لإطار إقليمى يحفظ الأمن ويمنع الهيمنة.
6. التأكيد على سيادة الدول، الأمن لا يتحقق بالقوة الغاشمة، بل بالالتزام بالقانون الدولى واحترام سيادة الدول العربية والإسلامية.
7. رسالة إلى الشعب الإسرائيلى، استمرار العدوان يهدد مستقبل السلام، ويعرض الاتفاقيات القائمة للانهيار، والعواقب ستكون وخيمة على الجميع.
8. رفض استهداف المدنيين والعقاب الجماعى، إدانة واضحة لسياسة التجويع والتدمير الممنهج ضد أهل غزة.
9. رفض التهجير من غزة، تأكيد قاطع أن أى محاولات لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم مرفوضة قانونياً وأخلاقياً، ولن تؤدى إلا إلى انفجار أكبر.
10. حل الدولتين أساس الاستقرار،إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مع الدعوة للاعتراف الفورى بدولة فلسطين.
11. الوحدة العربية لحظة فارقة، الرسالة الجوهرية أن العرب أمام لحظة اختبار حقيقية، ولا بد من وحدة الصف فى مواجهة التحديات.
12. آلية عربية إسلامية للتعاون، طرح مبادرة عملية لتأسيس آلية تنسيق تُمكن العرب والمسلمين من مواجهة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية.
13. التزام مصر بدورها، تجديد تعهد مصر التاريخى بدعم القضية الفلسطينية، والسعى لتحقيق السلام العادل، وصون أمن واستقرار المنطقة.
كل هذه الرسائل لم تحظَ بالقراءة الواعية فى الإعلام المصرى، الذى اكتفى بعرض النصوص أو العناوين دون تفكيك المعانى ولا شرح أبعادها الاستراتيجية.فى الوقت الذى كان فيه الرأى العام أكثر تفاعلا مع الخطاب.
إن كلمة السيسى لم تكن مجرد موقف مصرى، بل صياغة لرؤية عربية مشتركة كان يجب أن تُقرأ على أوسع نطاق، وأن تتحول إلى مادة للنقاش العام، حتى تترسخ فى الوعى الجمعى كإطار للعمل العربى فى المرحلة المقبلة.