“اللي عايز يتعالج… يخبط راسه في الحيط!”
في مصر، قد يدخل المريض إلى المستشفى حاملًا وصفة طبية معتمدة من طبيب مرخص، فقط ليُفاجأ برفض إعطائه الحقنة بحجة أن الطبيب ليس من أطباء المكان. رسالة واضحة وصادمة: صحتك ليست أولوية، ومن لا يعجبه فليذهب ليخبط رأسه في الحائط.
هذا المشهد المتكرر ليس مجرد “إجراء إداري”، بل انعكاس خطير لغياب بروتوكول وطني موحد يلزم جميع المؤسسات الطبية بالتعامل مع أي وصفة معتمدة. والنتيجة: بيروقراطية قاتلة، والمريض هو الضحية.
ولأن الأرقام لا تكذب
• فوفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية، تأخير جرعة واحدة فقط من المضادات الحيوية في حالات العدوى الشديدة يزيد احتمالية المضاعفات بنسبة تصل إلى 20%.
• والدراسات تشير إلى أن إيقاف كورس المضاد الحيوي أو تعطيله يؤدي إلى مقاومة بكتيرية في نحو 30% من الحالات، ما يعني أن الدواء يفقد فاعليته مستقبلًا.
• وفي أوروبا، تشير الإحصاءات إلى أن تأخير بدء العلاج بالمضاد الحيوي في حالات الالتهاب الرئوي مثلاً يرفع معدل الوفيات بنسبة 7 – 10% لكل ساعة تأخير.
• بينما في مصر، لا توجد حتى الآن بيانات رسمية دقيقة، لكن التقديرات تشير إلى أن آلاف المرضى سنويًا يتعرضون لمضاعفات بسبب تأجيل أو منع إعطاء الحقن اللازمة.
ولكن كيف يفعلها العالم إذا ؟
• في أوروبا والخليج، الوصفة الطبية الصادرة من طبيب مرخص تُعتبر وثيقة رسمية مُلزمة لكل منشأة صحية.
• وتوجد بروتوكولات واضحة للتعامل مع أي مضاعفات محتملة بعد الحقن، ولا يُسمح لأي مؤسسة برفض الخدمة.
• كما ان هناك غرف طوارئ مجهزة، وفِرَق مدربة للتدخل الفوري.
مما سبق يتضح ان المطلوب الآن باختصار هو
• إصدار بروتوكول وطني مُلزم يحدد مسؤوليات المستشفيات عند استقبال أي وصفة معتمدة.
• إلزام جميع المؤسسات الصحية بتجهيز وسائل إنعاش أولية للتعامل مع المضاعفات.
• تشديد العقوبات على أي جهة ترفض تقديم خدمة علاجية مبررة.
• إنشاء قاعدة بيانات وطنية لتسجيل حالات رفض العلاج وتبعاتها على المرضى.
وتبقي كلمة
إن ترك المريض يواجه مصيره بلا علاج هو جريمة صحية مكتملة الأركان. وإذا استمر هذا الوضع، فنحن لا نتحدث فقط عن تأخير جرعة مضاد حيوي، بل عن نظام كامل يُفرّط في أبسط حقوق الإنسان: وهو الحق في العلاج.
واليوم المطلوب قرار يعيد للمنظومة معناها الحقيقي، قبل أن يتحول شعار “اللي عايز يتعالج يخبط راسه في الحيط” من تعبير ساخر إلى واقع يومي يحكم علاقة المواطن بمستشفياته.