بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

التعليم يصنع المستقبل ومدرسة جديدة تفتح أبواب الأمل

 

تستطيع مدرسة واحدة أن تغير مستقبل قرية بأكملها، بل ربما مستقبل وطن، هذه ليست مبالغة، فالتعليم هو المفتاح الحقيقي لأي نهضة، وهو البذرة الأولى التي تنبت في أرض الوطن لتثمر أجيالا قادرة على البناء والتغيير.

في كل مرة يخرج فيها مشروع تعليمي جديد إلى النور، أشعر أن الوطن يمد يده نحو الغد بخطوة واثقة، كأنه يقول لأبنائه .. هذه أرضكم، وهذا مستقبلكم، فاغرسوا أحلامكم هنا.

لا أبالغ إذا قلت إن افتتاح مدرسة عبدالسند يمامة الثانوية المشتركة في منيل شيحة بمحافظة الجيزة، ليس مجرد إضافة معمارية أو مبنى جديد في سلسلة مدارس الدولة.

إنه إعلان واضح أن الأمل لا يزال يولد من قلب المبادرات الصادقة، بل هو رسالة وطنية عميقة المعنى، تربط بين الماضي بكل تضحياته، والحاضر بكل تحدياته، والمستقبل بكل ما يحمله من وعود.

حين يتبرع شخص بقطعة أرض مساحتها ثلاثة آلاف متر مربع، ويقرر أن يبني عليها مدرسة من ماله الخاص، ويهديها للدولة وللأجيال المقبلة، فإننا لا نتحدث هنا عن عمل عادي، بل عن موقف وطني نادر يعكس قيمة العطاء الحقيقي.

لم يكتف الدكتور عبدالسند يمامة، رئيس حزب الوفد، بالكلام عن حب الوطن أو الدفاع عن فكرة، بل جسد هذه الوطنية في فعل ملموس سيبقى أثره لعقود قادمة.

مدرسة الدكتور عبدالسند يمامة الثانوية المشتركة التي تضم 24 فصلا دراسيا، مقسمة بالتساوي بين البنين والبنات، ليست مجرد فصول وجدران، بل فضاء رحب يفتح أبوابه للعلم والمعرفة، وملاعب تزرع في النفوس روح التنافس الشريف، وحجرات أنشطة ومكتبة تغذي العقول بالخيال والوعي.

وأنا ابن صعيد مصر، أعرف جيدا كيف عانينا من تكدس الفصول وضيق المساحات، وكيف كان حلمنا بسيطا أن نجد مقعدا وكتابا .. لذلك أدرك قيمة ما يحدث اليوم.

لقد علمتنا التجربة أن البناء الحقيقي لا يبدأ من ناطحات السحاب أو الكباري العملاقة، بل من قاعة درس صغيرة يجلس فيها طالب يحلم بأن يصبح طبيبا أو مهندسا أو عالما أو سياسيا.

هنا يبدأ التغيير، من مقعد خشبي بسيط وكتاب بين يدي طفل .. حين أتأمل هذا المشروع، أجد نفسي أعود بذاكرتي إلى جيل الرواد الذين آمنوا أن مصر لن تنهض إلا بالعلم، فأسسوا المدارس والجامعات، وربوا أجيالا خرج من رحمها زعماء وقادة ومفكرون.

وبالأمس القريب، يأتي عبدالسند يمامة ليعيد التذكير بأن الرسالة لم تمت، وأن الاستثمار في التعليم هو أعظم وأصدق استثمار، الافتتاح الذي تم يوم الخميس الماضي 18 سبتمبر الحالي، بحضور وزير التربية والتعليم الدكتور محمد عبداللطيف، والمهندس عادل النجار محافظ الجيزة، وقد حضره الدكتور عبدالسند يمامة بنفسه، كانت لحظة وطنية تستحق أن نتوقف عندها.

فهي ليست مجرد قص شريط أمام عدسات الكاميرات، بل شهادة على أن مصر ما زالت تنجب رجالا يؤمنون بالفعل قبل القول، ويقدمون للناس ما يفيدهم ويمكث في الأرض.

هذه المدرسة ليست مجرد مبنى يضاف إلى خريطة التعليم في الجيزة، بل هي نقطة تحول حقيقية في منيل شيحة، حيث تعاني الأسر منذ سنوات من تكدس الفصول وصعوبة حصول أبنائهم على تعليم ملائم.

وليس بعيدا عن هذا المشهد، يكفي أن نتذكر مقولة طه حسين الخالدة؛ التعليم كالماء والهواء، فمصر تحتاج كل عام إلى آلاف الفصول الجديدة لتقليل الكثافات التي وصلت أحيانا لسبعين تلميذا في الفصل الواحد، بينما دول نامية أخرى لا تتجاوز ثلاثين تلميذ في الفصل الواحد.

هنا يبرز دور عبدالسند يمامة ليس كشخصية منفردة، بل كنموذج يمكن أن يحتذى به بين رجال السياسة والمجتمع المدني، نموذج يعيد الاعتبار لفكرة أن السياسي ليس صوتا تحت قبة البرلمان فقط، بل خادما للوطن على الأرض، يقدم حلولا عملية تمس حياة الناس اليومية.

تشير إحصاءات وزارة التربية والتعليم إلى أن محافظة الجيزة من أكثر المحافظات معاناة من ارتفاع الكثافة الطلابية، إذ يصل متوسط عدد الطلاب في بعض الفصول إلى أكثر من سبعين طالبا، وفي المقابل، يظل معدل إنشاء المدارس أقل من حجم الاحتياج الفعلي.

هنا ندرك أن مدرسة عبدالسند يمامة ليست مبنى عاديا، بل بذرة مغروسة في تربة الوطن، والسؤال متى تتحول هذه المبادرة إلى نهج عام يعم المحافظات كلها؟

وتبرز هنا أهمية أي مبادرة جديدة، فمدرسة واحدة قد تخفف العبء عن عشرات الفصول المجاورة، وتفتح آفاقا تعليمية أكثر إنصافا للطلاب، وهو ما يضاعف من قيمة هذا المشروع في سياقه المحلي والوطني.

في زمن يكثر فيه الحديث عن التحديات الاقتصادية وضيق الموارد، ولنكن صرحاء، نحن لا نرى مثل هذه المبادرات كل يوم، حيث تظل مثل هذه المبادرات الخاصة علامة مضيئة وسط المشهد.

لقد اعتدنا أن نسمع عن رجال أعمال يبنون مراكز تجارية أو أبراجا شاهقة بحثا عن الربح، لكننا قليلا ما نجد من يقرر أن يضع أمواله في مشروع لا يعود عليه بمكاسب مادية مباشرة، بل يترك أثره في وجدان الأمة.

بهذا الفعل عبدالسند يمامة يكتب اسمه في سجل مختلف، سجل الرواد الذين يفكرون بعقلية الدولة لا بمصالح شخصية ضيقة.

وأنا أكتب هذه السطور، أدرك أن البعض قد يستهين بمدرسة جديدة في منيل شيحة، باعتبارها مجرد نقطة صغيرة في بحر الاحتياجات التعليمية لمصر.

فلماذا لا نرى مثل هذه المبادرات في كل محافظة، لتتحول من استثناء إلى قاعدة؟ لأنني أرى كل مدرسة جديدة هي جبهة من جبهات المستقبل، وكل فصل يفتح أبوابه لعشرين أو ثلاثين طالبا هو خط دفاع عن وعي الأمة ضد الجهل والتطرف والانغلاق.

المدارس ليست جدرانا، بل مصانع للعقول والضمائر، ومن يتبرع ببنائها إنما يضع حجرا في صرح الوطن، لا شك أن عبدالسند يمامة يستحق التقدير، ليس فقط لأنه تبرع بالأرض وبنفقات البناء، بل لأنه أعاد للأذهان صورة السياسي الوطني الذي لا ينغلق في دهاليز السلطة ولا يكتفي بالخطابة، بل ينزل إلى الميدان بعمل واقعي يخدم الناس.

وهنا يكمن الفارق بين من يرفع شعارا وبين من يجسد هذا الشعار بالفعل، إن هذه المدرسة ستظل شاهدة على معنى الوطنية حين تتحول من كلام إلى فعل.

سيجلس طلاب على مقاعدها بعد سنوات لم يسمعوا ربما باسم من بناها، لكنهم سيحملون في داخلهم أثر ما صنعه، وسيخرج منهم من يحمل شعلة العلم ويقود وطنه في مجالات متعددة.

هذه هي أعظم مكافأة يمكن أن يحصل عليها أي إنسان .. أن يترك بصمة خالدة في نفوس لم يعرفها شخصيا، لكنها عرفت الخير بسببه.

وأرى من هنا، أن افتتاح مدرسة عبدالسند يمامة الثانوية المشتركة ليس مجرد خبر عابر في صفحات الصحف، بل هو درس علينا أن ندرسه جيدا .. أن التعليم هو الطريق، وأن الوطنية الحقيقية ليست شعارات، بل أفعال تضيف لبنة في بناء الوطن.

في زمن يتسابق فيه البعض على المناصب والكراسي، يثبت لنا هذا النموذج أن السياسة يمكن أن تكون في خدمة الناس حقا، لا مجرد مقاعد وكراسي، وأن المقعد الحقيقي الذي يستحق التقدير هو المقعد الذي يمنح لطفل في مدرسة، لا مقعد السلطة أو النفوذ.

لقد علمتنا مصر عبر تاريخها أن الأوطان العظيمة تبنى بسواعد رجال عظماء، واليوم نرى أحد هؤلاء الرجال وهو يضع حجرا جديدا في صرح التعليم.

وأكاد أجزم أن هذه المدرسة الصغيرة في منيل شيحة، بكل ما تحمله من رمزية، أكبر قيمة وأشد تأثيرا من كثير من المشاريع الصاخبة التي تزول مع مرور الزمن.

أما التعليم فيبقى، وأما المدرسة فتظل بيتا للأمل، وأما العطاء الوطني فهو الذي يخلد أسماء أصحابه في ذاكرة الأمة، وبهذا الفعل، أعاد عبدالسند يمامة إلى الأذهان تلك المقولة الخالدة: إذا أردت أن ترى مستقبل أمة، فانظر إلى مدارسها.

واليوم، حين ننظر إلى هذه المدرسة، نرى مستقبلا مشرقا يستحق أن نفتخر به، ونرى نموذجا لرجل آمن بأن بناء العقول أهم من أي شيء آخر.