بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

من السادات إلى فيليبي السادس.. رسالة سلام من القاهرة إلى العالم

"وقف إطلاق النار فوراً".. مطلب مصري إسباني يتردد في قصر الاتحادية والجامعة العربية

بوابة الوفد الإلكترونية

السفير حسام زكي : الملك شخصية متواضعة ويتمتع بإلمام عميق بتفاصيل المنطقة

خبير دولي: زيارة ملك إسبانيا تعيد رسم السياسة الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية
 


في زيارة تحمل دلالات عميقة تتجاوز البروتوكول الدبلوماسي المعتاد، تطأ أقدام جلالة الملك فيليبي السادس ملك إسبانيا وقرينته الملكة ليتيزيا أرض مصر، حاملين معهما رسالة تضامن قوية وشراكة إستراتيجية طموحة.

 تأتي هذه الزيارة التاريخية، الأولى من نوعها منذ تولي الملك العرش في 2014، في إطار تحول جوهري في السياسة الخارجية الإسبانية تجاه المنطقة العربية، وتتوج إعلان الشراكة الإستراتيجية الذي وقعته البلدين في فبراير 2025. وفي خضم أوضاع إقليمية متوترة، تبرز إسبانيا كدولة أوروبية فاعلة تتخذ مواقف مبدئية شجاعة لدعم الحقوق الفلسطينية، بينما تنظر إلى مصر كقوة محورية اساسية لاستقرار المنطقة وتعزيز التعاون الأورومتوسطي.

شهدت القاهرة استقبالاً حافلاً للملك الإسباني، حيث استقبله الرئيس عبد الفتاح السيسي وزوجته السيدة انتصار في قصر الاتحادية بمراسم رسمية كاملة، شملت اصطفاف الخيول وعزف السلام الوطني واستعراض حرس الشرف. ومن ضمن المحطات الأكثر رمزية، زيارة الملك وقرينته لقبر الرئيس الراحل أنور السادات، والتي اعتبرها البعض رسالة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول أهمية السلام والاستقرار في المنطقة

اتفق الرئيس السيسي والملك فيليبي السادس على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق سراح الرهائن والأسرى وإدخال المساعدات الإنسانية دون عوائق . وشدد الجانبان على رفضهما القاطع لأي مساع لتهجير الشعب الفلسطيني خارج أرضه، لما يمثله ذلك من تهديد لأمن دول الجوار وتصفية للقضية الفلسطينية .

وتماشياً مع جوهر الزيارة، توجه الملك إلى مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية حيث استقبله الأمين العام أحمد أبو الغيط. وركز اللقاء بشكل أساسي على الأوضاع الإنسانية الكارثية في قطاع غزة والمواقف المبدئية الثابتة التي تتخذها إسبانيا تجاه القضية الفلسطينية. وقد صرح جمال رشدي، المتحدث الرسمي للأمين العام، بأن أبو الغيط أعرب عن عميق تقدير دول الجامعة للمواقف الإنسانية والأخلاقية الثابتة والعادلة لإسبانيا، والتي تجلت في دعمها غير المشروط لحل الدولتين ودفاعها المستمر عن الحقوق الفلسطينية. كما أشاد بالجهود الإسبانية المتواصلة لوقف العدوان على غزة وزيادة المساهمات المالية المقدمة لوكالة الأونروا لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة.
 

ملك إسبانيا في بيت العرب

من جانبه، جدد  ملك إسبانيا التزام بلاده الراسخ بالمبادئ الإنسانية وحقوق الإنسان، مؤكداً على ضرورة إنهاء المعاناة غير المسبوقة للمدنيين في غزة وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق. كما أكد دعم بلاده للجهود الدولية الهادفة إلى وقف إطلاق النار الدائم. وفي ختام اللقاء، أكد الأمين العام للجامعة العربية أن المؤسسة ستواصل عملها بلا كلل من أجل تنفيذ حل الدولتين وتجسيد الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، ووضع حد حاسم لحرب الإبادة التي تجاوزت فظائعها كل حد.
وعن هذه الزيارة، قال الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، ان زيارة ملك إسبانيا فيليبي السادس للمقر الرئيسي للجامعة هي "زيارة تاريخية تحمل رمزية كبيرة في العلاقات العربية-الإسبانية"، وذلك في تصريحات عبر حسابه الرسمي على منصات التواصل الاجتماعي.

ووصف زكي الملك بانه شخصية متواضعة واسع الاطلاع، قائلا: "تشرفت بلقاء جلالة الملك قبل هذه الزيارة، ورغم مكانته الرفيعة، إلا أنه يجسد نموذجاً للقائد اللطيف المتواضع، واسع الاطلاع، يتمتع بإلمام عميق بتفاصيل ودقائق الأوضاع في منطقتنا".

وأكد الأمين العام المساعد أن إسبانيا، تحت قيادة الملك فيليبي السادس، تثبت دائماً أنها "دولة محبة وداعمة للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني الصامد"، معبراً عن سعادته بهذه الزيارة التي تمثل أولى زيارات الملك إلى الجامعة العربية منذ توليه العرش.


 

تأثير الزيارة على العلاقات الثنائية والإقليمية

من المتوقع أن تحدث هذه الزيارة نقلة نوعية في العلاقات المصرية-الإسبانية على جميع الأصعدة. فاقتصادياً، تعهد البلدان بتعزيز التعاون في مجالات الطاقة المتجددة والبنية التحتية والسياحة، وهي قطاعات تتمتع فيها الشركات الإسبانية بخبرات عالمية تتكامل مع رؤية مصر الطموحة للتنمية المستدامة ومشروعاتها القومية الكبرى. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين بالفعل نحو 3.1 مليار دولار في النصف الأول من عام 2025، مما يضع أساساً متيناً لشراكة اقتصادية أوسع.

وفي تصريح  لـ"الوفد"، أكد الباحث في الشؤون السياسية والقانون الدولي محمد عبد الحليم أن زيارة الملك فيليبي السادس ملك إسبانيا إلى مصر تمثل "نقطة تحول تاريخية في العلاقات الثنائية والدولية"، مشيراً إلى أنها تفتح آفاقاً جديدة لدور أوروبي أكثر توازناً في التعامل مع قضايا المنطقة.

وقال عبد الحليم: "هذه الزيارة لا تقتصر على تعزيز التعاون الثنائي بين القاهرة ومدريد فحسب، بل تحمل رسالة سياسية واضحة بأن التزام إسبانيا بالحقوق الفلسطينية أصبح ركيزة أساسية في سياستها الخارجية". 
وأضاف الباحث القانوني  : "تأتي الزيارة في توقيت بالغ الحساسية، حيث تشهد المنطقة تصاعداً غير مسبوق في التحديات. إسبانيا، التي قادت مع أيرلندا والنرويج اعترافاً أوروبياً بالدولة الفلسطينية في مايو 2024، تثبت اليوم أنها رائدة في تبني مواقف أكثر توازناً تجاه القضية الفلسطينية".

وتابع عبد الحليم: "الدعم الإسباني المتواصل لوكالة الأونروا، والسعي الجاد لإحياء مسار السلام القائم على حل الدولتين، يمثلان نهجاً عملياً لتحقيق السلام العادل. هذه الزيارة تعزز من دور مصر كوسيط رئيسي وشريك إستراتيجي لا غنى عنه".

رسائل واضحة لإسرائيل والدول الغربية

وأشار الخبير إلى أن "الزيارة ترسل رسالة واضحة لإسرائيل بأن سياسة الاحتلال لم تعد مقبولة دولياً، وأن الوقت حان لوقف الانتهاكات والإجراءات الأحادية الجانب. كما أنها تظهر للدول الغربية أن هناك خيارات أخرى أكثر عدالة في التعامل مع الصراع".

وحول آفاق التعاون المستقبلية، أوضح عبد الحليم: "نحن أمام فرصة تاريخية لبناء تحالف يمكن أن يُحدث نقلة نوعية في عملية السلام. مصر بثقلها الإقليمي وإسبانيا بنفوذها الأوروبي يمكن أن يشكلا قوة دافعة نحو حل عادل وشامل".

وعلى الصعيد الثنائي، أكد الباحث أن "الزيارة تمهد لمرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي والثقافي بين البلدين، حيث يمكن للشركات الإسبانية الاستفادة من الفرص الاستثمارية الهائلة في مصر، خاصة في مجالات الطاقة المتجددة والبنية التحتية".

وأكد عبد الحليم على أن هذه الزيارة تمثل بداية لمرحلة جديدة من الشراكة الإستراتيجية التي ستُعيد رسم خريطة التحالفات في المنطقة. مصر وإسبانيا يمكن أن يصبحا نواة لتكتل دولي يدعم السلام القائم على العدالة والشرعية الدولية.

وقال عبد الحليم :"إن المواقف الحازمة لإسبانيا، والتي شملت الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وحظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وإلغاء صفقات عسكرية كبيرة، قد مهدت الطريق لدور دبلوماسي أوروبي أكثر توازناً. بزيارته للقاهرة والجامعة العربية، يرسل الملك فيليبي رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي بأن الدعم الإسباني للقضية الفلسطينية هو سياسة دولة ثابتة وليست موقفاً ظرفياً، وأن الشراكة مع مصر هي حجر الزاوية في هذه الاستراتيجية"

تعتبر زيارة ملك إسبانيا إلى مصر هي أكثر من مجرد حدث دبلوماسي؛ إنها إعادة تشكيل للتحالفات وإعلان عن ولادة شراكة إستراتيجية شاملة. في وقت تتصاعد فيه الأزمات في المنطقة، تقدم هذه الزيارة نموذجاً للدبلوماسية القائمة على المبادئ والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. إنها تثبت أن صوت العقل والسلام لا يزالان قادرين على رسم ملامح مستقبل أكثر استقراراً، حيث تلعب فيه دول مثل مصر وإسبانيا دور الجسر الذي يربط بين الثقافات ويحقق التطلعات المشروعة للشعوب، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني.