بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

وهم الرجل القوي

منذ لحظة دخوله البيت الأبيض، حاول دونالد ترامب أن يرسم لنفسه صورة "الرجل القوي"، الذي لا يساوم ولا يلين، والذي يواجه العالم بقبضة من حديد. لكن هذه الصورة لم تكن سوى واجهة إعلامية زائفة، تداعَت عند أول مواجهة حقيقية مع روسيا والكيان الصهيوني المحتل، حيث انكشف ضعفه وعجزه، وسقط في هوة الاختبار الفعلي.

ترامب لم يكن رئيسًا يقف نِدًّا لندّ أمام موسكو، بل بدا في كل مرة كأنه مأخوذ بسحر فلاديمير بوتين. لم يجرؤ على إدانة جرائم روسيا في حربها على أوكرانيا أو تدخلها في الشرق الأوسط، وظل يبرر سياساتها العدوانية بخطاب مخادع ومراوغ. حتى العقوبات التي صدرت ضد روسيا لم تكن من إرادته، بل تحت ضغط الكونغرس. فأين هي قوة الرجل الذي يدّعي أنه لا يخشى مواجهة الجبابرة والطغاة؟ الحقيقة أن ترامب خضع لروسيا في صمت، وترك الساحة الدولية للكرملين يتمدد بلا قيود.

أما في الشرق الأوسط، فقد تحوّل ترامب إلى أداة طيّعة وآلة تنفيذ بيد الاحتلال. إذ شكّلت قراراته سلسلة من الانكسارات الأخلاقية والسياسية: نقل السفارة إلى القدس المحتلة، الاعتراف بالجولان كجزء من "إسرائيل"، ثم فرض ما سُمّي بـ"صفقة القرن" التي كانت إعلان وفاة لحقوق الشعب الفلسطيني. لم يكتفِ بالانحياز، بل قدّم نفسه كخادم مطيع لمصالح إسرائيل، متخليًا عن أي حياد أو التزام بالقانون الدولي.
أي رجل قوي هذا الذي يبيع مكانة بلاده ويحوّلها إلى ظلّ تابع لمجرم غاصب؟

لقد كان ترامب خطيبًا بارعًا في إطلاق الشعارات الفارغة، يملأ الساحة ضجيجًا، بينما يفتقد الشجاعة الحقيقية في مواجهة التحديات. قوته المزعومة لم تتجاوز المنابر الإعلامية والتغريدات النارية. وعندما حانت لحظة المواجهة، تهاوى وفشل في الاختبار الحقيقي: لم يردع روسيا، ولم يقف بوجه الاحتلال، بل انحنى لهما وانبطح في خذلان.

إن القادة العظام يثبتون قوتهم بالأفعال لا بالكلمات، بقدرتهم على حماية الحق لا ببيع المواقف. ترامب لم يكن من هؤلاء لأنه خذل العالم، وخذل حتى بلاده، وترك التاريخ يكتب اسمه في سجل الضعف والخضوع والاستسلام. سيخلّد التاريخ أنه لم يكن سوى رئيس استعراضي، يخشى مواجهة الكبار، وينحني أمام الكيان الصهيوني المحتل، لتتداعى صورته المزيّفة كرجل قوي، وتبقى وصمة عار في ذاكرة الأجيال.