إطلالة
مصر العمود الفقري للعرب
في ظل التحديات الكبرى التي تمر بها المنطقة العربية، تبرز مصر مجددًا كقلب الأمة النابض، الحارس الأمين لأمن واستقرار العالم العربي. ومع تصاعد الأزمات الإقليمية والدولية، يجب أن يثبت العرب – شعوبًا وحكومات – أنهم لا يتخلّون عن مصر، ولا يتركونها تواجه المصير وحدها، خاصة حين يتعلق الأمر بعدوان خارجي أو تدخلات غربية تمس الأمن القومي العربي بأسره.
في السنوات الأخيرة، واجهت مصر سلسلة من التحديات التي لم تكن سهلة على الإطلاق. من الضغوط الاقتصادية بفعل الأزمات العالمية، إلى التهديدات الأمنية في المنطقة، وصولًا إلى محاولات التدخل في الشأن الداخلي من قِبل قوى غربية تحاول فرض أجندات لا تخدم الاستقرار، ولا تراعي خصوصية المنطقة وتاريخها وثقافتها.
كلنا يعلم أن أمن مصر هو من أمن العرب جميعاً فإن سلمت سلموا وإن هلكت فهذا يعني إبادة جماعية للدول العربية ، واستقرارها لا ينفصل عن استقرارهم. ولا ننكر أن العرب علي علم بذلك، وقد رأينا هذا واضحًا في الدعم السياسي والاقتصادي الذي قدّمته الدول العربية لمصر في أكثر من محطة مفصلية، سواء خلال فترة ما بعد 2011، أو في أعقاب ثورة 30 يونيو، أو خلال محاولات التأثير في القرار السيادي المصري من قبل بعض الدول الغربية. وهذا ليس فقط بسبب العلاقات التاريخية والروابط الأخوية، بل أيضًا لأن الأمن القومي للدول العربية لا ينفصل بأي حال عن الأمن القومي المصري.
عندما تتعرض مصر لضغوط سياسية أو اقتصادية أو إعلامية من الغرب، فإن الرد العربي يكون حازمًا وواضحًا نحن إلى جانب مصر. وهذا ما شاهدناه في بيانات رسمية، ومواقف دبلوماسية، وتحركات على الأرض. وليس المقصود من الدعم الجانب المالي ،ولكن التنسيق الأمني والعسكري والاستراتيجي، والمواقف الموحدة في المحافل الدولية.
والسؤال الذى يطرح نفسه لماذا كل هذا الضغط علي مصر؟ والإجابة لا تتطلب كثيرًا من البحث. فمصر بتاريخها وجغرافيتها وقوتها البشرية والعسكرية، تشكّل عمقًا استراتيجيًا للعرب جميعًا. ومن يريد أن يُخضع المنطقة أو يُعيد رسم خرائطها وفق مصالحه، لا بد أن يبدأ بمحاولة إنهاك مصر.
لكن هذا المشروع فشل،وسيفشل دومًا، لأن مصر ليست دولة صغيرة، ولأن العرب لن يقفوا متفرجين على محاولة كسر عمودهم الفقري.
ما يجب التوقف عنده بجدية هو موقف العرب الجماعي – سواء من جامعة الدول العربية أو من خلال التحالفات الثنائية والإقليمية – في رفضهم القاطع لأي تدخل خارجي في الشأن المصري أو العربي عمومًا. لقد تعلمت الشعوب والحكومات العربية من تجارب الماضي أن التدخلات الغربية لا تجلب إلا الخراب، وأن الدفاع عن دولة عربية هو دفاع عن الكل، وأن أي عدوان على مصر – أو غيرها من الدول العربية – يُعد عدوانًا على الأمة كلها.
ومع تصاعد الحملات الغربية – سواء عبر الإعلام أو من خلال المؤسسات الدولية – التي تحاول تشويه صورة مصر، أو الضغط عليها لاتخاذ مواقف لا تخدم مصلحة الشعب المصري، فإن الرد العربي جاء واضحًا: مصر دولة ذات سيادة، وشعبها يحدد مصيره، ولا أحد يملي عليه شروطًا.
من الملاحظ أن السياسات الغربية، وخصوصًا بعض القوى الأوروبية، تعتمد على ما يمكن تسميته بـ"سياسة الابتزاز الناعم" تجاه الدول العربية الكبرى، عبر ملفات حقوق الإنسان أو الديمقراطية أو المعونات المشروطة. ومصر كانت هدفًا لهذه السياسة في أكثر من مناسبة. لكنّ الموقف العربي الجماعي أثبت أن هذه الأوراق لم تعد فعالة.
لم تعد الشعوب العربية تقبل بالوصاية، ولم تعد الحكومات العربية تخضع للابتزاز. وهناك تنسيق عربي غير مسبوق في مواجهة هذه الضغوط، سواء عبر البيانات الموحدة، أو الدعم المتبادل في المؤسسات الدولية، أو حتى عبر إطلاق مشاريع تكامل اقتصادي وأمني تعزز من استقلالية القرار العربي.
ولا يمكن تجاهل دور الإعلام العربي الذي لا بد أن يكون أكثر وعيًا وتماسكًا، في مواجهة الحملات الإعلامية الغربية الموجهة ضد مصر أو غيرها من الدول العربية. فلا بد من تفنيد الأكاذيب، والرد بالحجة والمنطق، وتقديم الصورة الحقيقية لما يحدث، بعيدًا عن التضليل والانحياز الغربي المعتاد.
من المهم التأكيد هنا أن مصر لم تطلب يومًا شيئًا لنفسها فقط، بل كانت دائمًا في طليعة الداعمين للقضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وقد دفعت أثمانًا باهظة في سبيل الحفاظ على وحدة الصف العربي، ولم تتردد في الوقوف إلى جانب أي دولة عربية تعرضت لمحنة أو عدوان، سواء في لبنان أو العراق أو ليبيا أو السودان.
لذلك فإن دعم العرب لمصر اليوم هو أقل ما يمكن تقديمه لها، تقديرًا لدورها التاريخي، ولدفاعها المستمر عن المصالح العربية المشتركة.
ففي ظل المتغيرات العالمية، والتحولات الجيوسياسية المتسارعة، لا خيار أمام العرب سوى تعزيز وحدتهم، وبناء نظام عربي قوي ومتماسك، يرفض التدخلات الخارجية، ويؤمن بأن مصير الأمة واحد، وأن العدوان على أي دولة عربية هو عدوان على الجميع.
إن الوقوف إلى جانب مصر اليوم ليس مجرد موقف سياسي، بل هو رسالة واضحة للعالم أجمع: أن العرب، رغم كل خلافاتهم، لا يسمحون بسقوط دولة عربية تحت الضغط أو الابتزاز أو التدخل الأجنبي.ومصر، كما كانت دائمًا، في قلب جميع المعارك ، حاملة لواء الكرامة العربية، ومدعومة بجدار عربي صلب، لا يسمح بكسرها ولا عزلها. ونحن واثقين في كل مرة تحاول فيها القوى الكبرى فرض إرادتها، سيجدون أمة عربية أكثر وعيًا وصلابة، أمة تقول: "نحن مع مصر... ومصر معنا.