أوروبا وواشنطن.. شراكة هشة أم قطيعة قادمة؟
بعد أن انكشفت النوايا الأمريكية أمام الجميع، وثبت ضعفها في مواجهة القوى الصاعدة مثل روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية وباكستان، بل وحتى أمام استقلالية مواقف دول إقليمية كبرى مثل مصر، يثور سؤال جوهري: هل تعود أوروبا لأحضان أمريكا من جديد، أم أن العلاقة التاريخية بينهما قد تغيّرت إلى الأبد؟
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت أوروبا تعتمد على الولايات المتحدة باعتبارها الحامي العسكري عبر حلف الناتو، والراعي الاقتصادي من خلال خطط الدعم وإعادة الإعمار. لكن السنوات الأخيرة أظهرت أن تلك “الحماية” لم تكن بلا مقابل، بل جاءت دائمًا مشروطة بالمصالح الأمريكية أولًا. الحرب الأوكرانية أبرز مثال: فقد خسرت أوروبا مصادر الطاقة الروسية، واضطرت لشراء الغاز الأمريكي بأسعار مضاعفة، ما كشف عن استغلال واضح لأزمتها.
إلى جانب ذلك، باتت الولايات المتحدة نفسها أقل قدرة على فرض هيمنتها، بعدما أثبتت روسيا صمودها أمام العقوبات والحرب الطويلة، وواصلت الصين صعودها الاقتصادي والتكنولوجي، وفرضت إيران حضورها الإقليمي رغم الحصار. في هذا السياق، أدركت أوروبا أن الاعتماد المطلق على واشنطن لم يعد مضمون النتائج.
ورغم ذلك، لا تستطيع أوروبا الانفصال عن أمريكا تماماً، فالخوف من روسيا يدفعها للتمسك بالمظلة الأمنية الأمريكية، خاصة أن القدرات العسكرية الأوروبية لا تزال قاصرة عن تشكيل ردع مستقل. لكن هذه “العودة” لأحضان واشنطن، إن حدثت، فلن تكون كما في الماضي. ستبقى مشوبة بالشك، وسيظل الوعي الأوروبي حاضرًا بأن التبعية المطلقة تعني دفع ثمن باهظ على حساب شعوب القارة.
الخلاصة أن أوروبا تقف اليوم على مفترق طرق:
إما أن تستسلم لمعادلة الخوف وتبقى أسيرة الحضن الأمريكي، أو أن تخطو بثقة نحو بناء استقلال استراتيجي حقيقي يجعلها شريكا ً لا تابعا ً.
والراجح أن العلاقة مع واشنطن ستبقى قائمة، لكن ليست كوصاية كما كانت، بل كتحالف هشّ تحكمه المصالح الباردة لا المشاعر الدافئة.