بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة غدًا 19 سبتمبر

بوابة الوفد الإلكترونية

خطبة الجمعة.. نشرت وزارة الأوقاف المصرية موضوع خطبة الجمعة غدًا 19 سبتمبر، والتي تأتي تحت عنوان:  "الرَّسُولُ الْمُعَلِّمُ ﷺ ".


نص خطبة الجمعة:

أيُّها الإخوةُ الكرام: حديثُنا في هذا اليوم المبارك عن سيِّدِ الأنام، وخيرِ من مشى على الأقدام، عن الرَّسولِ المُعَلِّم ﷺ، الَّذي أخرجَ اللهُ به الناسَ من ظلماتِ الجهلِ إلى أنوارِ العلمِ، ومن ضيقِ الأفقِ إلى سعةِ الدنيا والآخرةِ، عن النبيِّ الذي كان رحمةً مهداةً، ومُعلِّمًا كريمًا، ومربِّيًا حكيمًا.

العُنْصُرُ الأَوَّلُ: الرَّسُولُ الْمُعَلِّمُ فِي نُصُوصِ الْوَحْيَيْنِ
أيُّها الأحبَّةُ في الله: لقد وصفَ اللهُ تعالى نبيَّه ﷺ في كتابِه بأوصافٍ جليلةٍ، فجعلَ من أعظمِها أنَّه مُعَلِّمٌ ومُزكٍّ. قال تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 151]. فهذا نصٌّ صريحٌ يُبيِّنُ أنَّ وظيفتَه ﷺ قائمةٌ على التعليمِ والتزكيةِ، التعليمِ الَّذي يملأ العقولَ نورًا، والتزكيةِ الَّتي تطهِّرُ القلوبَ من أدرانِها.

وقال سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة: 2]. وجاءَ في الحديثِ الصحيحِ أنَّه ﷺ قال: «.. إنَّ اللهَ لم يبعثْني مُعنِّتًا، ولا مُتَعنِّتًا، ولكن بعثني مُعلِّمًا مُيَسِّرًا» (مسلم 1478). فانظروا ـ رحمكم الله ـ كيف لخَّصَ رسالتَه العظمى في كلمةٍ واحدة: مُعَلِّمًا، ليبقى هذا اللقبُ شاهدًا على عظمةِ مهمَّتِه، وخلودِ رسالتِه.

خطبة الجمعة
وكان ﷺ يَسلكُ في تعليمِه الطُّرقَ البليغةَ، فكان يكرِّرُ الكلمةَ ثلاثًا ليُرسِّخَها في القلوبِ، ويضربُ الأمثالَ الحيَّةَ، ويخاطبُ العقولَ على قدرِ أفهامِها. ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّه ﷺ: “كانَ إذَا تَكَلَّمَ بكَلِمَةٍ أعَادَهَا ثَلَاثًا، حتَّى تُفْهَمَ عنْه“ (البخاري، ح. 95).

وكان ﷺ يُعلِّمُ بالقدوةِ قبل القولِ، فكان إذا أمرَ بشيءٍ كان أسبقَ الناسِ إليه، وإذا نهى عن أمرٍ كان أبعدَ الناسِ عنه، حتى صار تعليمُه أبلغَ من آلافِ الخطبِ والمواعظِ.

ومن روائعِ تعليمِه ﷺ ما أخرجه البخاري (ح. 2409) ومسلم (ح. 1829) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا…» الحديث.

إنَّه منهجٌ في التربيةِ والتعليمِ قائمٌ على إشعارِ كلِّ فردٍ بمسؤوليتِه، وربطِه بدوره في الحياةِ والمجتمعِ.

موضوع خطبة الجمعة 
وكان ﷺ يُحوِّلُ الموقفَ الجافَّ إلى درسٍ خالدٍ. فقد جاءَه الأعرابيُّ يسأله عن الساعةِ، فقال له ﷺ: «مَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» قالَ: ما أعْدَدْتُ لَهَا مِن كَثِيرِ صَلَاةٍ ولَا صَوْمٍ ولَا صَدَقَةٍ، ولَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ، قالَ ﷺ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» (البخاري ح. 6171؛ مسلم ح. 2639).

فانظروا كيف حوَّلَ السؤالَ من جدلٍ في الغيبِ إلى تربيةٍ على العملِ والاستعدادِ.

وكان ﷺ يُعلِّمُ النساءَ كما يُعلِّمُ الرجالَ، ويخصِّصُ لهنَّ وقتًا. فقد روى البخاري (ح. 101) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قالتِ النِّسَاءُ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِن نَفْسِكَ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وأَمَرَهُنَّ، فَكانَ فِيما قَالَ لهنَّ: ما مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلَاثَةً مِن ولَدِهَا، إلَّا كانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ فَقالتِ امْرَأَةٌ: واثْنَتَيْنِ؟ فَقَالَ: واثْنَتَيْنِ“. فهذا هو المعلمُ الرَّحيمُ، لم يُقصِ أحدًا من دائرةِ التعليمِ، بل جعلَ للنساءِ نصيبًا كريمًا، في وقتٍ كانت المرأةُ فيه لا تُورَثُ ولا تُعلَّمُ. أيُّها الأحبَّةُ: إنَّ هذه النصوصَ من الوحيينِ تؤكِّد أنَّ محمَّدًا ﷺ كان مُعلِّمًا للأمةِ، مربِّيًا لها على الفضائلِ، رافعًا لها بالعلمِ، مُصْلِحًا لعقولِها وقلوبِها. فإذا أردنا أن نعرفَ قيمةَ العلمِ في الإسلامِ فلننظرْ إلى سيِّدنا رسولِ الله ﷺ، كيف عاشَ معلِّمًا، وماتَ وهو يوصي بالعلمِ والهدايةِ.

العُنْصُرُ الثَّانِي: صُوَرٌ نَبَوِيَّةٌ مُشْرِقَةٌ فِي التَّعْلِيمِ وَالتَّرْبِيَةِ
أيُّها الأحبَّةُ في الله: إذا كانَت النُّصوصُ القرآنيةُ والحديثيةُ قد بيَّنت أنَّ النبيَّ ﷺ مُعَلِّمٌ، فإنَّ حياتَه الشريفةَ زاخرةٌ بالشواهدِ العمليةِ والقصصِ المؤثِّرةِ التي تُجسِّدُ دورَه التعليميَّ والتربويَّ. فقد كان ﷺ يعلِّمُ بالقولِ والفعلِ، بالتوجيهِ والإشارةِ، بالموعظةِ الحسنةِ والقدوةِ البليغةِ:

تعليمُه بالصَّبرِ والحكمةِ
روى البخاري (ح. 6823) ومسلم (ح. 285) عن أنسٍ رضي اللهُ عنه: “بيْنَما نَحْنُ في المَسْجِدِ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ. إذْ جاءَ أعْرابِيٌّ فَقامَ يَبُولُ في المَسْجِدِ، فقالَ أصْحابُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: مَهْ مَهْ، قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ فَتَرَكُوهُ حتَّى بالَ، ثُمَّ إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ دَعاهُ فقالَ له: إنَّ هذِه المَساجِدَ لا تَصْلُحُ لِشيءٍ مِن هذا البَوْلِ، ولا القَذَرِ إنَّما هي لِذِكْرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والصَّلاةِ وقِراءَةِ القُرْآنِ“.

خطبة الجمعة
أيُّ رِفقٍ هذا؟! لقد حوَّلَ الموقفَ من مشهدِ فوضى إلى درسٍ خالدٍ في الرِّفقِ وحُسنِ التعليمِ، فكان الأعرابيُّ يقولُ بعدها: “اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا”.

تعليمُه باستخدامِ الرَّسمِ والتَّوضيحِ
كان ﷺ يُقرِّبُ المعاني للأذهانِ بالتصويرِ العمليِّ، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “خَطَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا، وخَطَّ خَطًّا في الوَسَطِ خَارِجًا منه، وخَطَّ خُطَطًا صِغَارًا إلى هذا الذي في الوَسَطِ مِن جَانِبِهِ الذي في الوَسَطِ، وقَالَ: هذا الإنْسَانُ، وهذا أجَلُهُ مُحِيطٌ به – أوْ: قدْ أحَاطَ به – وهذا الذي هو خَارِجٌ أمَلُهُ، وهذِه الخُطَطُ الصِّغَارُ الأعْرَاضُ، فإنْ أخْطَأَهُ هذا نَهَشَهُ هذا، وإنْ أخْطَأَهُ هذا نَهَشَهُ هذا“. (البخاري، ح. 6417).

بهذا الرَّسمِ البسيطِ، غرَسَ في قلوبِ الصحابةِ معنى الحياةِ والموتِ والأملِ والمصيرِ، بطريقةٍ تبقى في الذاكرةِ أكثرَ من مائةِ خطبةٍ.

تعليمُه للشَّبابِ بالرِّفقِ والتَّشجيعِ
ومن ذلك أنَّ غلامًا شابًّا أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فقال: “يا رسولَ اللهِ، ائْذَنْ لي بالزِّنا، فأقبَلَ القَومُ عليه فزَجَروه وقالوا: مَهْ، مَهْ! فقال: ادْنُهْ، فدَنا منه قَريبًا، قال: فجَلَسَ، قال: أتُحِبُّه لأُمِّكَ؟ قال: لا واللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لأُمَّهاتِهم، قال: أفتُحِبُّه لابنتِكَ؟ قال: لا واللهِ، يا رسولَ اللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لبَناتِهم، قال: أفتُحِبُّه لأُختِكَ؟ قال: لا واللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لأَخَواتِهم، قال: أفتُحِبُّه لعَمَّتِكَ؟ قال: لا واللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لعَمَّاتِهم، قال: أفتُحِبُّه لخالتِكَ؟ قال: لا واللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لخالاتِهم، قال: فوَضَعَ يدَه عليه وقال: اللَّهُمَّ اغفِرْ ذَنبَه، وطَهِّرْ قَلبَه، وحَصِّنْ فَرْجَه، قال: فلمْ يَكُنْ بعدَ ذلك الفَتى يَلتفِتُ إلى شيءٍ» (رواه أحمد (22211) واللفظ له، والطبراني (8/190 (7679)، صحيح. بهذا الحوارِ الحكيمِ تحوَّلَ الشابُّ من طائشٍ إلى تائبٍ نادمٍ، فصار موقفًا تربويًّا خالدًا.

اهتمامُه بتعليمِ الكِبارِ والصِّغارِ
كما قال النبي ﷺ لابن عباس رضي الله عنهما: “يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، ولو اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ“. الترمذي (2516) واللفظ له، وأحمد (2669) صحيح.

انظروا ـ رعاكم الله ـ كيف يخاطبُ غلامًا صغيرًا بكلماتٍ عظيمةٍ تُربي في قلبِه التوحيدَ والاعتمادَ على اللهِ. لقد كانت دروسًا تختصرُ طريقَ الإيمانِ واليقينِ في سطورٍ يسيرةٍ.

حرصُه على تعليمِ الكتابةِ والقراءةِ
ومن دلائلِ عنايتِه ﷺ بالتعليمِ أنَّه جعلَ فداءَ أسرى بدرٍ تعليمَ أبناءِ المسلمين القراءةَ والكتابةَ، كما أخرج ابن إسحاق في السيرة (السيرة النبوية لابن هشام، ج2، ص292). فكان هذا تأسيسًا لمنظومةِ التعليمِ في الأمةِ منذ بداياتِها، ليُعلَمَ أنَّ العلمَ أعظمُ من المالِ، وأنَّ الأمةَ لا تُبنى إلَّا بالمعرفةِ.

قصَّةُ زيدِ بنِ ثابتٍ في تعلمِ اللغاتِ

ومن صورِ التعليمِ النبويِّ (في مسند أحمد، ج5، ص186): عن زيد بن ثابت: “أمرَني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ أن أتعلَّمَ لَهُ كتابِ يَهودَ قالَ إنِّي واللَّهِ ما آمَنُ يَهودَ علَى كتابي، قالَ: فما مرَّ بي نِصفُ شَهْرٍ حتَّى تعلَّمتُهُ لَهُ، قالَ: فلمَّا تَعلَّمتُهُ كانَ إذا كتبَ إلى يَهودَ كتبتُ إليهِم، وإذا كتَبوا إليهِ قرأتُ لَهُ كتابَهُم“. أبو داود (3645)، والترمذي (2715) واللفظ له. وهذا يبيِّنُ أنَّ الرسولَ ﷺ كان يُشجِّعُ على تحصيلِ العلومِ الَّتي تخدمُ رسالةَ الإسلامِ، ولو كانت من لغاتٍ أخرى.

وصايا تعليميةٌ جامعة
ومن وصاياه الجامعةِ في التعليمِ ما أوصى به معاذَ بنَ جبلٍ رضي الله عنه حين بعثَه إلى اليمن، فقال: « إنَّكَ تَقْدَمُ علَى قَوْمٍ مِن أهْلِ الكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أوَّلَ ما تَدْعُوهُمْ إلى أنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى، فَإِذَا عَرَفُوا ذلكَ، فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ فَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في يَومِهِمْ ولَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا صَلَّوْا، فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم زَكَاةً في أمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِن غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ علَى فقِيرِهِمْ، فَإِذَا أقَرُّوا بذلكَ فَخُذْ منهمْ، وتَوَقَّ كَرَائِمَ أمْوَالِ النَّاسِ» (البخاري ح. 7372؛ مسلم ح. 19).

خطبة الجمعة كاملة 
أيُّها الإخوةُ الكرام: هذه بعضُ الصورِ المشرقةِ من حياةِ الرَّسولِ المُعَلِّمِ ﷺ، جمعت بين الحكمةِ والصبرِ، بين القدوةِ والقولِ، بين الجدِّ والرِّفقِ. إنَّها مدرسةٌ متكاملةٌ، لو التزمَ بها المعلِّمون والدُّعاةُ لخرَّجوا أجيالًا صادقةً ثابتةً على الحقِّ.

العُنْصُرُ الثَّالِثُ: بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ فِي مَدْرَسَةِ النُّبُوَّةِ
أيُّها الأحبَّةُ في الله: لقد علَّمنا رسولُ الله ﷺ أنَّ العلمَ ليس غايةً في نفسِه، وإنَّما هو طريقٌ للعملِ والاهتداءِ، فالعلمُ شجرةٌ، والعملُ ثمرتُها. وإذا انفصلَ العلمُ عن العملِ صار وبالًا على صاحبِه، وحُجَّةً عليه يومَ القيامةِ.

قال اللهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصَّف: 2-3]. قال الإمامُ السعديُّ رحمه الله: “هذا عتابٌ من اللهِ للمؤمنين إذ يقولونَ الخيرَ ولا يفعلونَه، ويمتدحونَ أنفسَهم بصفاتٍ لا يتحقَّقون بها؛ فكيف يليقُ بالمؤمنِ أن يكونَ على هذه الحال؟!” (تفسير السعدي ص 858).

العلمُ يهتفُ بالعمل

قال سفيانُ الثوريُّ رحمه الله: “العلمُ يهتفُ بالعمل، فإن أجابه وإلَّا ارتحل” (بيان العلم وفضله لابن عبد البر، ج1، ص706). وقال مالكُ بنُ دينارٍ رحمه الله: “إنَّ العالمَ إذا لم يعملْ بعلمِه زلَّت موعظتُه عن القلوبِ كما تزلُّ القطرةُ عن الصفا” (صفة الصفوة لابن الجوزي، ج2، ص167). فهؤلاء الأئمَّةُ أخذوا من مدرسةِ النبيِّ ﷺ درسًا خالدًا: لا قيمةَ لعلمٍ لا يُثمرُ عملًا.