هل يجوز للزوجة أن تتصدّق من مال زوجها دون علمه؟.. الإفتاء توضح

كثيرًا ما يَرِدُ إلى لجان الفتوى تساؤل يتكرر على ألسنة النساء: "هل يجوز للزوجة أن تتصدّق من مال زوجها دون علمه؟"، خاصة إذا كان الزوج هو المسؤول عن النفقة والإنفاق، والزوجة ترغب في عمل الخير والبرّ.
بين الإذن واليسير المعتاد
أوضحت الفتوى أن الأصل في التصرّف بمال الغير، ومنه مال الزوج، لا يكون جائزًا إلا بإذنه أو برضاه.
لكن هناك تفصيل:
المال الكثير أو الثمين: لا يجوز للزوجة التصدّق به إلا بإذن صريح من زوجها؛ لأنه مال مملوك له، والتصرف فيه يحتاج إلى موافقته.
الشيء اليسير المعتاد: يجوز للزوجة التصدق به دون إذن إذا كانت تعلم من حال زوجها رضاه عن هذا النوع من الإنفاق، كجزء من الطعام أو المبالغ الزهيدة التي لا تُؤثر على النفقة.
وبهذا، فإن الحكم الشرعي يوازن بين حفظ حقوق الزوج المالية، وتمكين الزوجة من المشاركة في أعمال الخير في الحدود المعقولة.
أدلة من السنة النبوية
استندت الفتوى إلى عدة أحاديث صحيحة، منها:
حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: «إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ» [صحيح البخاري].
حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، حين قالت للنبي ﷺ:«لَيْسَ لِي شَيْءٌ إِلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أَرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيَّ؟» فقال ﷺ: «ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ» [متفق عليه].
كلمة الرضخ تعني العطاء بالشيء اليسير، وهو ما يرضى به الزوج عادة.
أقوال العلماء
قال الإمام الصنعاني في سبل السلام: "في الحديث دليل على جواز تصدق المرأة من بيت زوجها بما جرت به العادة من غير إضرار، بشرط أن لا يُخلّ بنفقتهم".
وبيّن الفقهاء أن الحكم يدور مع العرف والرضا؛ فما تعارف الناس على اعتباره يسيرًا جاز، وما عُدّ كثيرًا أو مهمًا لا يجوز إلا بالإذن.
في الختام، التصدّق من مال الزوج الثمين أو الكبير لا يجوز إلا بإذنه، والتصدّق باليسير المعتاد، كالطعام أو المبلغ الصغير الذي يُعلم من حال الزوج رضاه به، جائز ولا حرج فيه، والأجر في هذه الحالة مشترك: للزوج بما كسب، وللزوجة بما أنفقت، وللخازن كذلك، دون أن ينقص من أجر أحدهم شيء، وبهذا التوازن الشرعي، تحقّق الفتوى مقصديْن: حفظ المال وفتح باب الخير.