بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

نبض الكلمات

التعليم من حق دستوري إلى "مزاد علني"٢"

في بلد كان يصفها شعوب العالم بأنها "مصر أم الدنيا"، صار التعليم فيه جنازة غاب عنها أهلها، المدارس الحكومية التي كانت يومًا مصنع العلماء تحولت إلى أطلال، بلا تعليم حقيقي وبلا انضباط، بلا احترام، الفصول مكتظة، المناهج عقيمة، والمدرس الذي كان سيد الموقف أصبح عبدا وموظفًا مهدور الكرامة، يبحث عن لقمة العيش عبر الدروس الخصوصية بعدما سحقه ضعف الرواتب ، ولم يعد خافيًا على أحد أن ملف التعليم في مصر لم يعد يُدار لمصلحة المواطن، بل لمصلحة لوبي المدارس الخاصة والدولية الذي تضخّم حتى صار دولة داخل الدولة، هذا اللوبي يسنّ قوانينه بنفسه، يفرض مصاريفه بالدولار والجنيه كما يشاء، ويُترك بلا رقيب ولا حسيب، والكارثة أن كل ذلك يتم برعاية وعباءه حكومية كاملة ، وفي المقابل ظهر "بيزنس التعليم الخاص" كوحش مفترس يلتهم كل شيء ، مدارس خاصة ودولية بواجهات زجاجية وشعارات براقة، لكنها في الحقيقة شركات استثمارية مقنّعة، هدفها الأول جمع الأموال، لا صناعة العقول، مصاريف فلكية تصل إلى عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف، وسط غياب كامل للرقابة الحكومية التي اكتفت بدور المتفرج بل الشريك الرسمي أحيانا الذي افسد قيم ومبادئ كانت راسخه عبر أجيال ماضيه كانت افرزت المبدعين و المفكرين والعلماء في عصور التعليم الذهبية.
التعليم الحكومي انهار أمام أعين الجميع، حتى صار مجرد بوابة إلزامية للحصول على شهادة بلا قيمة فالتعليم الخاص استغل هذا الانهيار ليفرض نفسه بديلاً باهظ الثمن، يحتكره الأغنياء ويُقصى منه أبناء البسطاء ، والمعلم الذي كان رسول العلم فقد هيبته، بعدما حُرم من حقوقه وكرامته، حتى صار مطاردًا بين لقمة العيش ولقب "مدرس خصوصي" ، فضاعت هيبة التعليم.. ضاع احترام المعلم.. وضاع جيل كامل بين مجانية وهمية وبيزنس لا يعرف الرحمة..وما يحدث ليس صدفة، بل سياسة ممنهجة لتجريف التعليم الحكومي وفتح الطريق أمام المستثمرين ليحوّلوا "المدرسة" من مؤسسة وطنية إلى سلعة تُباع وتشترى. الدولة التي تركت المدارس الحكومية تنهار، هي نفسها التي فتحت الباب واسعًا أمام لوبي المدارس الخاصة ليبسط نفوذه ويستثمر في عقول أولادنا ، والسؤال المحير هل كتب على أبناء الفقراء أن يعيشوا أسرى الجهل بسبب انهيار التعليم الحكومي؟ وهل صار حلم التعليم الجيد حكرًا على من يملك المال؟ وأين الدولة من إنقاذ هيبة العلم والمعلم؟.
فلم يعد الصمت مقبولًا، التعليم في مصر يُذبح علنًا، والمعلم الذي كان يومًا قدوة وأبًا ومصدر نور صار اليوم مهدور الكرامة، مسحوقًا بالمرتبات الهزيلة، مطرودًا من هيبته، بينما تُفتح أبواب التعليم على مصراعيها أمام حفنة من التجار والمستثمرين ليحولوه إلى سلعة تُباع وتشترى ، والمدرسة الحكومية التي كانت مصنع الوطنية صارت خرابة، بلا تعليم ولا تربية. الطلاب محشورون كالأقفاص، والمناهج لا تُفهم إلا في "عزبة الدروس الخصوصية". أما المدارس والجامعات الخاصة، فقد تحولت إلى قصور وكافيتريا فاخره لأولاد الاغنياء مشيّدة للتجارة، يرفعون المصاريف كل عام بوقاحة، دون رقيب ولا حسيب، والدولة شريكة في الجريمة بصمتها وتواطؤها ، إلى متى نسمح بتحويل التعليم من حق دستوري إلى تجارة قذرة؟ إلى متى نرى أبناء الفقراء يُقصون من حلم العلم ويُتركون رهائن للجهل والفقر؟ ، ولقد آن الأوان أن ينهض الأهالي والمعلمون معًا في حركة رفض علنية ضد هذا العبث. آن الأوان أن نطالب باسترداد هيبة التعليم والمعلم، وأن نكسر احتكار لوبي المدارس الخاصة الذي ينهب جيوبنا ويذل أولادنا ، التعليم ليس سلعة.. التعليم حق، ومن يفرّط فيه يخون الوطن.
في الأصل، الجامعة كانت منارة للعلم، مصنعًا للتميز، وبوابة للعدالة الاجتماعية ، أما اليوم فقد تحولت الجامعات الخاصة التي يمتلكها رجال أعمال ومُستثمرون إلى شركات استثمارية هدفها الأول الربح، ولو على حساب مستقبل الأجيال ، هؤلاء لم يدخلوا ميدان التعليم حبًا في العلم أو رغبة في النهوض بالمجتمع، بل دخلوا بدافع الجشع ،  حولوا الجامعة إلى "مول تجاري"، القاعات إلى مقاعد محجوزة بأرقام فلكية، والشهادات إلى بضاعة مرقّمة تُمنح لمن يملك المال، لا لمن يستحق ، قتلوا روح التميز، حيث صار النجاح والالتحاق بالكليات المرموقة مسألة "قدرة مالية" لا "قدرة عقلية ، رسّخوا الطبقية بين الطلاب، فصار ابن الغني يدرس في قاعات مكيفة بجامعة خاصة بالدولار، بينما ابن الفقير يلهث وراء مقعد متهالك في جامعة حكومية مكتظة ، صادروا مبدأ تكافؤ الفرص، وأصبحت الكليات المرموقة مثل الطب والهندسة تُباع في أسواق الجامعات الخاصة بأغلى الأسعار ، بينما الجامعات الحكومية تعاني الإهمال ونقص الإمكانيات، تُمنح الجامعات الخاصة تسهيلات استثمارية وأراضٍ بالمليارات، وكأن الدولة تكافئ التجار وتُعاقب الفقراء، السؤال الاهم هل ما زالت الجامعة في مصر مصنعًا للعلم، أم أصبحت "شركة قابضة" في يد رجال الأعمال، يحددون مستقبل الوطن على أساس القدرة على الدفع ؟!
    رئيس لجنة المرأة بالقليوبية وسكرتير عام اتحاد المرأة الوفدية 
[email protected]