الدين الخارجى لمصر ونطاقه الآمن
بين الحين والحين تتكرر تصريحات المسئولين حول القلق الناشىء لدى بعض المتابعين للأداء الاقتصادى المصرى من ارتفاع حجم الدين الخارجى لمصر، ليطل علينا مسئول ما مكررا العبارة الشهيرة بأن «الدين الخارجى تحت السيطرة»، وتعقب ذلك تحليلات تفسيرية حول التزام مصر بسداد أقساط ديونها بفوائدها فى المواعيد المحددة لذلك.
لكن رغم ذلك، لا أحد يوضح لنا بشكل تفصيلى ودقيق حجم وهيكل الدين الخارجى لمصر، والقيمة المفترضة للسداد، وتوقيتاتها، وإذا ما كانت هناك إشارة واضحة تفسر مصطلح «تحت السيطرة»، أو «خارج نطاق الخطر»، ناهيك عن شروط كل جهة مقرضة، وطبيعة المشروعات التى يتم الاقتراض لها.
لقد وجه السيد رئيس الجمهورية فى اجتماع له عقد مؤخرا بمسئولين فى الحكومة إلى ضرورة العمل على خفض الدين الخارجى، والحد من الاستدانة للمشروعات المختلفة. غير أنه لم يتم ترجمة هذا التوجيه إلى مسار عملى يستهدف وقف الاستدانة، وترشيد الانفاق، والاعتماد على الموارد المتاحة لتمويل مختلف الاستثمارات.
ورغم أن الدين الخارجى لمصر سجل فى يناير 2025 نحو 155 مليار دولار، وهو ما يمثل تراجعا عما كان عليه فى يناير 2024، إلا أنه مازال رقما كبيرا، ويمثل عبئا على أى توجهات تنموية مستقبلية، خاصة أنه طبقا للموازنة المالية للعام الحالى، فإن أكثر من 70 فى المئة من الإيرادات تذهب لسداد الدين.
وكان مما لفت نظرى مؤخرا خبر نشرته بعض الصحف حول ارتفاع حصيلة مصر من الضرائب على الاستثمار فى أذون وسندات الخزانة بأكثر من الضعف لتصل إلى 302 مليار جنيه، خلال العام المالى المنتهى فى يونيو الماضى. ورغم أن الرقم يشير إلى ارتفاع حصيلة، وهو ما يتصوره البعض مؤشرا إيجابيا إلا أنه يعكس زيادة كبيرة فى حجم الديون، إذ يعنى بوضوح أن هذه الزيادة ناتجة عن ارتفاع قيام الحكومة بالاقتراض من خلال أذون الخزانة والسندات.
إن خبراء الاقتصاد الدولى ينصحون اليوم بالتوقف عن الاستدانة من الخارج حتى لو كانت المشروعات المستهدف تمويلها تمثل أولوية لدى الحكومات، فالأفضل والأنسب تنفيذها بنظام الـ«بى أو تي» من خلال القطاع الخاص مثلما جرى مع مشروعات سابقة.
لكن المشكلة أعمق من ذلك، إذ تضطر الحكومة فى أحيان كثيرة إلى الاستدانة عن طريق طرح سندات دولية لسداد ديون سابقة، وهو ما يؤدى إلى ديمومة الدين، بمعنى أن كل حكومة تُرحل ديونها للحكومات التالية، وتظل العبارة الدائمة بأن الدين تحت السيطرة مسكنا للرأى العام، لكنها حاجز أيضا عن وضع حلول عملية تضمن سداد الديون والتفرغ لتمويل مشروع المشاريع وهو التعليم.
والقضية تحتاج حوارا واسعا يضم كافة الخبراء، ولابد من ترجمة توجيهات الرئيس بشأن ضبط الدين الخارجى إلى خطة واضحة المعالم، يُمكن متابعتها، ومراجعتها. وقتها يمكن أن نتقبل عبارة «الدين فى نطاقه الآمن».
وسلامٌ على الأمة المصرية