الزاد
الواقعية فى كلمة الرئيس
انعقدت القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة، كرد فعل مباشر على الجريمة الإسرائيلية بمحاولة اغتيال قادة حماس فوق الأراضي القطرية، لتضع العالم العربي والإسلامي مجددًا أمام سؤال جوهري: هل تكفي البيانات والإدانات، أم أن الوقت قد حان للانتقال إلى قرارات عملية تردع الكيان الغاصب وتوقف شهيته المفتوحة للدمار؟
كمواطن عربي ومصري، لم أرضَ عن نتائج القمة. كنت أتمنى أن أرى عقوبات اقتصادية واضحة، لا على إسرائيل وحدها بل على كل من يدعمها ويغذي آلة بطشها. كان الطموح أن تكون هذه القمة محطة فاصلة، لا مجرد اجتماع طارئ ينتهي ببيان ختامي.
ومع ذلك، فإن ما قيل داخل القاعة لم يكن عابرًا. كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي حملت وضوحًا غير مسبوق في توصيف إسرائيل بأنها العدو، مؤكدة أن العدوان على قطر يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وتهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي والإسلامي. الرئيس المصري شدد على أن الممارسات الإسرائيلية تجاوزت كل الخطوط الحمراء، وأن الاستهداف الآثم لدولة عربية تلعب دور الوسيط في جهود التهدئة لا يمكن السكوت عنه. كما أبرز رفض مصر لسياسة العقاب الجماعي والتجويع التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، محذرًا من أن هذا السلوك المنفلت لا يجلب إلا الفوضى ويقوض أي فرص للسلام.
وفي كلمته أيضًا، أكد السيسي أن الحل العادل لن يتحقق إلا عبر إنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، داعيًا إلى الاعتراف الفوري بدولة فلسطين باعتباره السبيل الوحيد للحفاظ على حل الدولتين.كلمة الرئيس السيسى جاءت واقعة تعكس الحال،خلال المرحلة الراهنة التى نعيشها.
وفي السياق ذاته، جاءت كلمة أمير قطر متوازنة ومسؤولة، حملت وضوحًا في تحميل الاحتلال تبعات ما يحدث، وأكدت على ضرورة أن يتحرك العرب ككتلة واحدة تدافع عن سيادة دولها وكرامة شعوبها. أما كلمة ملك الأردن، فقد التقطت جوهر المعاناة الفلسطينية، وربطت ما يجري اليوم بتاريخ طويل من الانتهاكات، لتضع العالم أمام مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية. هذه الأصوات الثلاثة – المصرية والقطرية والأردنية – شكّلت معًا لوحة خطابية أكثر صراحة من المعتاد، حتى وإن ظلت القرارات العملية غائبة.
وعلى هامش القمة، شارك الرئيس السيسي في مؤتمر عبر تقنية “الفيديو كونفرانس” يوم 15 سبتمبر بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبحضور أمير قطر، وملك الأردن، ووزير الخارجية السعودي، إلى جانب قادة من بريطانيا وكندا. هدف اللقاء كان مناقشة مستجدات الوضع الإقليمي، خاصة تطورات الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي والعدوان الإسرائيلي على قطر، فضلًا عن التنسيق بشأن الاستحقاقات الأممية المقبلة ذات الصلة. اللقاء أضفى بعدًا دوليًا إضافيًا، خصوصًا مع تأكيد ماكرون على دعم قيام دولة فلسطينية، وهو موقف لا ينبغي الاكتفاء بتسجيله بل البناء عليه وتحويله إلى التزام دولي فاعل.
"اللافت في الاجتماع الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه اختار بعناية الدول الفاعلة والمؤثرة في الإقليم، فحضر الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر، وملك الأردن، ووزير الخارجية السعودي، إلى جانب رؤساء حكومات دول كبرى كفرنسا وبريطانيا وكندا، وهو ما يعكس إدراكًا أوروبيًا متزايدًا بأن أي حديث جاد عن حل الصراع أو ضبط إيقاع المنطقة لا يمكن أن يتم دون إشراك هذه القوى العربية المحورية."
الخلاصة أن القمة، رغم أنها لم ترتقِ إلى مستوى الغضب الشعبي، قدّمت خطابًا عربيًا أكثر وضوحًا وصراحة. وكانت كلمة الرئيس السيسي بمثابة تعرية للكيان الصهيوني أمام العالم، فيما دعمت كلمتا أمير قطر وملك الأردن هذا التوجه بخطاب متزن ومسؤول. لكن ما لم يُترجم هذا الوضوح إلى أفعال وقرارات ملزمة، ستظل إسرائيل مطمئنة إلى أن رد العرب لن يتجاوز حدود الكلمات.