الزاد
القمة العربية و التخلص من روتين البيانات
بمناسبة انعقاد القمة العربية — الإسلامية الطارئة في الدوحة غدًا،و يسبقها اليوم اجتماع تحضيري لوزراء الخارجية العرب، وهي القمة التي دُعيت لمعالجة التداعيات الخطيرة للهجوم الإسرائيلي على العاصمة القطرية، جاء الوقت المناسب لنتخلى عن روتين البيانات ونرفع صوت الفعل بدل الكلام. القمة ليست فرصة لقراءات إدانة تقرأ ثم تُنسى، بل لحظة تاريخية لتغيّر قواعد اللعبة، مقاطعات اقتصادية حاسمة، إجراءات دبلوماسية،وإحالة قضايا لمنصات العدل الدولية — أفعال تُظهر أن للعرب قرارًا حقيقيًا قادرًا على فرض كلفة على هذا البلطجي الإسرائيلي. افعلوها مرة واحدة، ولا تكرروا استعراض الكلمات على شاشة الأخبار؛ تحدثوا بلغة تحفظ كرامة الشعوب العربية، ولتكن هذه القمة بداية لسياسة تُصاغ على أساس المصالح والكرامة، لا على قاعدة بيانات الشجب والادانة.
"من آمن العقاب أساء الأدب".. حكمة قديمة لكنها تختصر قصة إسرائيل منذ أن كانت مجرد جماعات مسلحة تعمل في الظلام. هذه الدولة المارقة لم تعرف يومًا معنى الردع، بل مارست القتل والتوسع بلا هوادة، لأنها ببساطة لم تجد من يوقفها. أوروبا ــ خوفًا من شرها أو طمعًا في مصالحها ــ ساعدت هذه العصابات، ومنحتها الغطاء الاقتصادي والعسكري الذي مكّنها من البقاء والتمدد.
الأمم المتحدة بمؤسساتها المختلفة لم تصدر قرارًا واحدًا ضد الكيان وتم تنفيذه فعليًا. كل ما كان يخرج هو بيانات شجب وإدانة، ثم يضيع أثرها في ضجيج الإعلام. والسبب معروف، الفيتو الأميركي الذي يحمي الكيان، من أي مساءلة، وغض الطرف الأوروبي الذي يوازن بين خطاب الإدانة ومصالح السلاح والتجارة. هكذا أيقن قادة الكيان أنهم فوق القانون الدولي.
هذا الكيان لم يمعن في التوسع إلا بعد أن تأكد أن العالم أضعف من أن يواجه أطماعه. كما يقول المثل المصري: "يا فرعون إيه فرعنك؟ قال ما لقيتش حد يلمني".دولة الكيان هي التجسيد الحي لهذه المقولة، دولة لا تعترف بقانون أو حق أو سيادة، المهم أن يتحقق حلمها الكبير على حساب الجميع. طائراتها تضرب هنا وهناك بلا رادع، وكأن الدول المحيطة قد شُلّت يدها.
الحقيقة أن نتنياهو و رفاقه لم يعد تخشى أي مؤتمر أو اجتماع لمجلس الأمن، فهي تعرف مسبقًا أن نهايته بيان شجب يُتلى أمام الكاميرات. أما على الأرض، فتبقى سياسة الأمر الواقع، وحقائق الاحتلال، والاستيطان، والعدوان. ومن ثم فإن الرسالة واضحة إsرائيل لا تفهم إلا لغة القوة.
إن العين بالعين والسن بالسن ليست دعوة للانتقام، بل للردع العادل. على العالم، وعلى العرب قبل غيرهم، أن يعاملوا الكيان بالمثل. التعدي على الأرض يجب أن يقابل بالردع على أرضة، التي هي في الأصل ليست له، بل حق مغتصب. حينها فقط سيدرك قادته أن الحدود ليست مجرد خطوط على الخرائط، بل خطوط دماء وكرامة.
إن استمرار سياسة البيانات الفارغة يهدد استقرار المنطقة كلها. بل أكثر من ذلك، يُشجع إsرائيل على المزيد من الجرائم والانتهاكات، لأنها تعلّمت أن الثمن لا يتجاوز فقرة في نشرة أخبار. إن لم يشعر هذا الكيان بأن اعتداءاته ستكلفه غاليًا، فلن يتوقف.
لقد آن الأوان أن تتحول المواقف العربية والدولية من خانة الكلمات إلى خانة الأفعال ، المقاطعات الاقتصادية، القيود العسكرية ، وتفعيل آليات العدالة الدولية، ليست شعارات مثالية بل أدوات واقعية لإعادة هذا الكيان إلى حجمه الطبيعي. فالتاريخ يقول، لا يردع البلطجي إلا من يقف في وجهه بالقوة نفسها.
.. إذا كان فرعون لم يجد من يلمّه فتمادى، فإن هذا الكيان المارق لم يجد من يوقفه فاستباح كل شيء. الردع وحده هو اللغة التي يفهمها، وإلا فإنه سيظل فوق القانون، يعبث بحقوق الشعوب، وتحلق طائراته فوق سماء الآخرين كما لو كانت بلا حدود.