لفت نظر
الوسيط الموثوق
فى تطور دبلوماسى لافت، استضافت القاهرة مراسم توقيع اتفاق جديد بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتكون بذلك مصر طرفا فاعلا فى واحدة من أكثر الملفات الدولية تعقيدا وحساسية، وهو الملف النووى الإيرانى.
الخطوة التى جاءت بعد شهور من التهدئة الإقليمية والتحولات فى موازين القوى، تعكس رغبة القاهرة فى استعادة دورها التاريخى كوسيط موثوق به فى أزمات الشرق الأوسط، واستغلال ما تملكه من علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، بما فى ذلك طهران والغرب.
استضافة الاتفاق لم تكن مجرد خطوة بروتوكولية، بل تعبر عن عودة مصر إلى دور الوساطة، فى لحظة دقيقة شهدت فيها المنطقة تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، وتعثر المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن حول العودة للاتفاق النووى الموقع عام 2015.
ويأتى هذا التطور بعد مؤشرات متعددة على تقارب مصرى إيرانى، أبرزها زيارة وزير الخارجية الإيرانى إلى القاهرة فى وقت سابق هذا العام، ولقائه بكبار المسؤولين المصريين، وفتح قنوات حوار غير معلنة بين الأجهزة الدبلوماسية والأمنية فى البلدين
استضافة مصر لهذا التوقيع ليست مجرد إجراء لوجستى، بل تحمل رسائل سياسية عميقة، منها:
الثقة الدولية فى حيادية القاهرة فمصر ليست طرفا مباشرا فى النزاع النووى الإيرانى، لكنها فى الوقت ذاته تحتفظ بعلاقات جيدة مع الدول الخليجية المتوجسة من طموحات إيران، ما يجعلها وسيطا مقبولا للجميع.
إعادة تموضع مصرى على الساحة الدولية: عبر تعزيز أدوار الوساطة والتقارب مع دول كانت لعقود خارج دائرة العلاقات المصرية المباشرة.
رغبة مصرية فى التوازن الإقليمى خصوصا فى ظل عربدة إسرائيلية غير مسبوقة.
الاتفاق الجديد بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية يهدف إلى تعزيز الشفافية بشأن أنشطة إيران النووية، وتوسيع صلاحيات التفتيش، مقابل تخفيف جزئى لبعض العقوبات.
مصر لعبت دورا فى تقريب وجهات النظر بين الجانبين، خصوصا مع غياب الثقة المتبادل، وتخوف الغرب من أى تقدم فى البرنامج النووى الإيرانى دون رقابة، فى مقابل رغبة طهران فى كسر العزلة والعقوبات دون التخلى عن كامل أوراقها التفاوضية.
هذا الحدث يعيد طرح سؤال قديم جديد: هل نشهد بداية عودة كاملة وقوية فى العلاقات المصرية الإيرانية، التى انقطعت رسميًا منذ 1979؟
تشير مؤشرات عديدة إلى وجود نية لدى الطرفين لتجاوز عقود من القطيعة السياسية منها الاتصال الذى تم عقب توقيع الاتفاق بين الرئيسين المصرى والإيرانى.
أيضا مشاركة الوفود الإيرانية فى مؤتمرات داخل مصر مع التقارب الاقتصادى المحتمل فى ملفات الطاقة والنقل، وإن كان من المبكر الحديث عن تطبيع كامل، نظرًا لحساسية العلاقات الإقليمية وتعقيدات التاريخ، خصوصًا فى ظل تحالفات مصر التقليدية مع دول الخليج، التى تتحفظ على أى تقارب عربى مع طهران دون ضمانات.
ما جرى فى القاهرة ليس مجرد توقيع تقنى بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، بل هو رسالة بأن مصر تعود للعب دور كبير فى رسم خرائط المنطقة. وإن نجحت القاهرة فى إدارة هذا الملف بحيادية، فقد نكون أمام مشهد سياسى جديد تعود فيه مصر لاعبا مؤثرا فى قضايا الأمن الإقليمى والدولى، بعد سنوات من الانكفاء النسبى.