من القاهرة تبدأ معركة التحرر العربي
في فجر 13 يونيو، من هذا العام وبينما كانت إسرائيل تقصف إيران، خرج المستشار الألماني فريدريش ميرتس بتصريح أثار الدهشة: "إسرائيل تقوم بالمهمة القذرة بالنيابة عنّا جميعًا." في ذلك الوقت لم يدرك كثير من العرب عمق هذه العبارة، وظنوا أنها مجرد زلة لسان أو رأي شخصي. لكن عندما سقطت صواريخ إسرائيل على الدوحة بعد أسابيع قليلة، أدركوا المغزى: إسرائيل ليست دولة مارقة، بل أداة غربية تتحرك حيث تعجز أنظمة الغرب عن الظهور المباشر.
زرعت إسرائيل في المنطقة العربية بهدف إتقان فن الإبادة البطيئة.
و بينما يُكمل هذا الوحش مهمته الدموية التي خُلِق من أجلها، يتظاهر الغرب بالصدمة وهو يُلمّع أوسمة نفاقه .
القصف على قطر لم يكن عملاً عشوائيًا، بل هجومًا مدروسًا هدفه اغتيال قادة من حماس كانوا جزءًا من مفاوضات صفقة السلام وتبادل الأسرى. كانت الرسالة واضحة: السلام الحقيقي غير مرغوب فيه،
والمطلوب هو إبقاء المقاومة محاصرة بين التجويع والاغتيال.وسرقة ارض غزة
هنا فقط فهم العرب أن تصريح المستشار الألماني لم يكن تحليلًا سياسيًا، بل كشفًا صريحًا عن وظيفة إسرائيل في المنطقة.
ولم يكن قصف قطر حدثًا معزولًا؛ ففي نفس الأسبوع شنت إسرائيل هجمات على ست دول: فلسطين، لبنان، سوريا، تونس، قطر، واليمن. مشهد غير مسبوق، يكشف أن إسرائيل تتحرك كقوة غاشمة عابرة للحدود، تنفذ ما لا يستطيع الغرب فعله علنًا، بلا رادع أو حساب.
منذ 1948، لم تُبنَ إسرائيل للبقاء كدولة طبيعية، بل للغزو. هي الأداة المدللة للغرب، محصنة بالقنابل الأمريكية، والأقمار الصناعية الأوروبية، ونفوذ المال الذي يسيطر عليه اللوبي الصهيوني.
لم تشفع لقطر ملياراتها ولا طائرتها فحين جاء القرار، سقطت الصواريخ فوق عاصمتها، فيما اكتفى ترامب بابتسامة وحديث بارد عن "السلام"، دون إدانة واحدة لشريكه مجرم الحرب نتنياهو.
هذا السرد يؤكده ما حدث عام 1956، حين أصدر جمال عبد الناصر قرار تأميم قناة السويس، فاندفعت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل في عدوان ثلاثي. يومها أيضًا كانت إسرائيل رأس الحربة في مهمة استعمارية غربية.
واليوم يتكرر السيناريو: إسرائيل تنفذ، والغرب يصفق في صمت.
ولم يترك السفير الإسرائيلي في برلين، رون بروسور، مجالًا للشك حين أيّد كلام المستشار الألماني ميرتس قائلاً: "لقد وصف واقع الشرق الأوسط بدقة."
أي أن إسرائيل ليست دولة تبحث عن أمنها، بل مختبر أسلحة، وحصان طروادة، ومخلب غربي للهيمنة. .
وإذا أراد العرب أن يفهموا كواليس اعداد سيناريو اغتيال قادة حماس في قطر وان ترامب كان شريك في إعداد وتجهيز مسرح العمليات. وتحديد ساعة الصفر
عبر فخ مبادرة سلام جديدة لوقف الحرب في غزة خطوة كان هدفها استدراج قادة حماس لاجتماع يسهل الخلاص منهم دفعة واحدة .
قصف قطر كان رسالة سياسية أكثر من كونه عملية عسكرية، وأكد أن الهدف هو "إحباط مسارات غير مرغوبة" في المفاوضات. وهي وقف حرب الابادة في غزة
التي يدعمهم ترامب بكل قوة بالسلاح والمال الأمريكي، فهو لا يدين إسرائيل ابدا ويقدم وعدا كاذبا لقطر بعدم تكرار ذلك القصف مرة اخرى.
وبرغم كل هذا، يخرج من يروج للتطبيع أو يصدق هراء ترامب بأن "إسرائيل تريد السلام"، وكأن القنابل التي سقطت على غزة وقطر وصنعاء ودمشق وبيروت كانت رسائل حب وليست صواريخ موت.
لقد سقط القناع نهائيًا. الحقيقة باتت واضحة: إسرائيل ليست سوي قاعدة عسكرية متقدمة للغرب، تنفذ ما يعجز هو عن فعله علنًا. .
وإذا أراد العرب النجاة فليس أمامهم سوى الالتفاف حول مصر وتعويمها من أزماتها الاقتصادية، فهي الدولة الوحيدة التي تمتلك ثِقَل التاريخ والجغرافيا والقدرة العسكرية على مواجهة هذا المشروع الاستعماري الجديد. بدون مصر قوية، سيبقى كل بلد عربي مكشوفًا أمام مخطط الهيمنة.
فلقد مرّت الأمة العربية بمراحل أشد ضعفًا من واقعها الحالي؛ ففي زمن التتار انهارت الخلافة واحترقت بغداد وهدمت الشام.
وفي زمن الحملات الصليبية تفرّق العرب وتمزّقوا دويلات، بعض حكامها تحالف مع الصليبين، مثلما فعل حاكم دمشق بوري بن طغتكين (المعروف باسم تاج الملوك بوري)، وعقد تحالفًا مع الصليبيين من مملكة بيت المقدس، ودفع لهم الجزية مقابل حمايته من .تمدد عماد الدين زنكي الذي وحد الموصل وحلب و أصبح يهدد دمشق.
الحاكم العربي لا يقرأ التاريخ لذا محكوم عليه أن يحصد مره وأشواكه..
ويحكي الراوي...
كان طريق الخلاص والنجاة دائمًا عنوانه مصر. فمن القاهرة خرجت صيحة عين جالوت التي كسرت التتار، ومن مصر انطلقت راية حطّين التي أسقطت أسطورة الصليبيين، وفي حرب أكتوبر 1973 أعادت مصر للأمة العربية بعضًا من ثقتها وكرامتها. واليوم، لا يختلف المشهد كثيرًا؛ فالخطر الصهيوني يتوسع، والغرب يستثمر في ضعف المنطقة، غير أن دروس التاريخ تؤكد أن مصر تظلّ "مفتاح الميزان" وأرض الحسم، وأن دعمها وتحريرها من أزماتها هو شرط النجاة للأمة كلها.
جيش مصر هو آخر القلاع الحقيقية القادرة على هدم مشروع "إسرائيل الكبرى" تمامًا، كما فعل أجداده في عين جالوت حين حطموا جيوش المغول، وفي حطين حين كُسروا التحالف الغربي.
وفي أكتوبر 1973 حين تحولت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر إلى سراب. هذه اللحظات ما تزال محفورة في الوجدان العربي، وتؤكد أن النصر ممكن إذا فهمت
الأنظمة العربية التي تنام في حضن الذئب، انها ستستيقظ يومًا وهي في جوفه. وان القواعد الأمريكية في المنطقة ليست لحمايتهم بل لتسهيل مهمة قتلهم و نهب ثرواتهم.