بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

د. مسعود شومان: نحلم بتشكيل جيل جديد من المبدعين.. ورسالتنا ثقافية ووطنية

بوابة الوفد الإلكترونية

تطُل مصر بخطوة واثقة تحمل في طياتها حلم الغد، في زمنٍ تتسابق فيه الأمم على الاستثمار في عقول أطفالها، عبر ملتقى المبدع الصغير ذلك الجسر الذي يربط براءة الطفولة بآفاق الإبداع الرحبة. فعلى أرض العريش الطاهرة، حيث تجتمع المواهب الصغيرة من مختلف الأقاليم، لا يُقدَّم لهم الفن بوصفه ترفًا، بل باعتباره لغة حياة وأداة بناء، تُصقل بها العقول وتُضاء بها الأرواح.

 تحدث الدكتور مسعود شومان، رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية بهيئة قصور الثقافة، لـ الوفد على هامش ملتقى المبدع الصغير بالعريش مؤكداً أن الملتقى يمثل خطوة مهمة، غير أن الهدف الأسمى منه هو تشكيل جيل جديد من المبدعين عبر مراكز رعاية الموهوبين وبرنامجي مصر جميلة ومواهبنا مستقبلنا.

وأوضح "شومان" أن الفرق الفنية الكبرى تشهد شيخوخة في أعضائها، وبعضهم لم يعد قادراً على أداء أدواره، ومن هنا تأتي أهمية الأطفال الذين يمثلون المعين الجديد الذي سيغذي المسرح والغناء والموسيقى والفنون كافة، محاربين كل ما هو هابط ومبتذل.

وأشار إلى أن الهيئة تمكنت بالفعل من اكتشاف مجموعة من الممثلين وأطفال موهوبين في الغناء والعزف والفنون التشكيلية، ليكونوا النواة التي تغذي الحركة الفنية في المستقبل.


وأكد أن العمل الثقافي يمتد إلى مناطق لم يسبق أن وصلت إليها مؤسسات أو مكتشفون، موضحاً أن فرق الهيئة ذهبت إلى حلايب وشلاتين وأبو سمبل، وتفكر في التوسع للوادي الجديد، انطلاقاً من مبدأ "العدالة الثقافية". وقد جمع ملتقى العريش أطفالاً من أبو سمبل، والقاهرة، وبورسعيد، والإسكندرية، والمنوفية، إلى جانب أبناء العريش، ليكون مساحة حقيقية للتلاقي والتنوع.

رسالة ثقافية ووطنية

وشدد رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية على أن الرسالة التي يحملها الملتقى ليست فنية فقط، بل ثقافية ووطنية، تعكس صورة الانتماء والوحدة الوطنية. ففي تصوره يمكن أن يجتمع أطفال من بورسعيد يجيدون العزف على الآلات الوترية مع آخرين من محافظات مختلفة يتقنون النفخ أو الإيقاع، ليشكلوا منتخباً قومياً للهيئة العامة لقصور الثقافة، يقوده مايسترو كبير ويعبر عن مصر على المستويين القومي والعالمي.

مشاريع استراتيجية ممتدة

ورأى أن هذه ليست مشروعات قصيرة الأجل، وإنما ممتدة لخمس أو سبع سنوات، إذ لا يبحث عن "لقطة" عابرة بل عن مشروع استراتيجي له بعد جغرافي وفني. وقال إن مرحلة اختيار المواهب تبدأ بالاكتشاف، ثم الرعاية، وصولاً إلى إدماج المواهب في الحياة الثقافية والفنية. وأكد أن الأطفال يقدمون أنفسهم على المسرح بثقة كبيرة، تحت إشراف مدربين من بيئاتهم المختلفة، وليس من خبراء أجانب كما في برامج المواهب التجارية، لأن الهدف هنا هو المشروع الثقافي لا الإعلان أو الربح.

واعتبر أن الملتقى يحمل أيضاً رسالة وعي وانتماء، إذ يقدم الأطفال من سيناء للعالم رسالة جمالية وفنية بديلاً عن الحروب، في مقاومة بالكلمة والفن والثقافة، فهؤلاء الأطفال ينقلون مشاعر وطنية حقيقية بلا أيديولوجيا مصطنعة، ويشعرون بالانتماء حين يلتقون بأقرانهم من المحافظات المختلفة.

وأضاف أن اختيار سيناء له دلالة خاصة، حيث تسعى الأنشطة إلى ترسيخ الوعي بأهمية الوطن والأرض في هذه اللحظة الراهنة، ليبعث الملتقى برسالة للعالم كله بأن هذه الأرض آمنة، وأنها تحتضن أطفال المستقبل الذين يقاومون بفنهم وثقافتهم.

وفيما يخص الرعاية داخل الملتقى، أوضح شومان أن الأطفال يتلقون تدريبات متنوعة تشمل الأدب والشعر والقصة، والموسيقى والمقامات، والفنون التشكيلية والحرف التقليدية، إضافة إلى محاضرات عامة وتخصصية. فالطفل الموهوب في الأدب يجب أن يعرف شيئاً عن الموسيقى والفنون التشكيلية والعكس، بما يتيح تلاقح الفنون وتكاملها. وقد يخرج من بينهم شاعر يكتب أغنية لمطرب من زملائه أو ملحن يقدم عملاً شعرياً لآخر، وهكذا يُبنى جيل قادر على النهضة بعيداً عن فكرة "الجزر المنعزلة".

 

قاعدة بيانات وملتقى "العالم الصغير"

وكشف عن العمل حالياً على بناء أكبر قاعدة بيانات للموهوبين في مصر، والتخطيط لإطلاق ملتقى العالِم الصغير، الذي يضم الأطفال الموهوبين علمياً في مجالات مثل الطيران والاختراع. وسيتم استضافة علماء كبار للتعريف بأحدث ما توصل إليه العلم في الذكاء الاصطناعي والجينات والتكنولوجيا. وأكد أن الرؤية تقوم على الطيران بجناحين: الثقافة والعلم.

أما عن التحديات التي تواجه هذه المشاريع، فأكد شومان أن المشكلة الأولى تكمن في  الميزانيات المحدودة، فنحن نحلم دائمًا بزيادة موازنات قصور الثقافة، فهذه المؤسسة تمثل وطنًا ثقافيًا وفنيًا ضخمًا، لكنها تعاني من ضعف الموارد مقارنة بعدد المواقع والموظفين والأنشطة التي تغطيها على مستوى الجمهورية، وكذلك حجم الطموحات المنتظرة منها.

وأضاف: أحيانًا يشعر البعض بأن قصور الثقافة لا تقوم بدورها كما ينبغي، ويحدث هجوم عليها، لكن في الحقيقة هذا النقد غير مبرر؛ لأن الهيئة تحتاج إلى دعم أكبر سواء في الكوادر أو الإمكانيات المالية. قصور الثقافة تحتاج وقفة حقيقية من الدولة، لتتمكن من أداء رسالتها الثقافية على الوجه الأكمل.

وعن فوزه بجائزة الدولة في الآداب قال:
شعرت بسعادة وامتنان كبيرين بعد الإعلان عن فوزي بالجائزة، فهي جاءت تتويجًا لأكثر من أربعين عامًا من العمل الدؤوب والمثابرة والتنقل الميداني بين أقاليم مصر كافة. لقد عرفت مصر شبراً شبراً، وذهبت إلى أماكن لم يصل إليها أحد من قبل، جامعًا عناصر التراث الشعبي من منابعه الأصلية. ومن هنا أرى أن تقدير الدولة لهذا الاتجاه هو في حقيقته تقدير للهوية المصرية نفسها.

وأضاف: أنا من المؤمنين بأن التراث الشعبي هو "المسمار" الذي يسند سقف ثقافتنا ويحمي ما تبقى من وعينا الجمعي، وما تبقى من ثقافتنا هو الذي يصون العقول ويحافظ على قدرتها على الاستمرار والإبداع. فالجائزة في جوهرها احتفاء بالتنوع الثقافي المصري، وبأهمية الاختلاف بين البجا في حلايب، والنوبة في أسوان، والبدو في سيناء وسائر الأقاليم. هذا التنوع داخل الوحدة هو سر عظمة مصر، وهو ما يمنحها تماسكها وهويتها الراسخة.

وبعيداً عن الإدارة والوظيفة، تحدث شومان عن الشعر قائلاً: "الشعر هو الحلم الأكبر. عندما أكتب أنسى الإدارة وكل شيء. هو الذي يطفئ الأضواء المظلمة ليضيء حجرة الروح، ويمنحني الخيال اللازم لأصوغ برامج وأحلاماً جديدة، مختلفة عما يقدمه الإداريون التقليديون الذين يفتقدون خيال الشاعر".

يذكر أن ملتقى المبدع الصغير يقام تحت إشراف الإدارة المركزية للشئون الثقافية، ومن تنفيذ الإدارة العامة لرعاية المواهب بالتعاون مع إقليم القناة وسيناء وفرع ثقافة شمال سيناء.
ويشمل البرنامج 16 ورشة فنية وأدبية يشارك فيها نحو 100 طفل من مختلف المحافظات، بينهم 20 من الفائزين بجائزة الدولة للمبدع الصغير، بالتنسيق مع المركز القومي لثقافة الطفل.