بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

آفاق السياحة العلاجية في مصر والعالم

تشهد السياحة العلاجية عالميًا نموًا ملحوظًا، جعل منها أحد أبرز القطاعات الاقتصادية الصاعدة في العقود الأخيرة. فهي ليست مجرد رحلة للاستشفاء أو العلاج، بل تجربة متكاملة تجمع بين الرعاية الطبية عالية الجودة، والراحة النفسية في بيئات صحية وطبيعية ملائمة، توفر للزائر توازنًا بين العناية الجسدية والتجدد الذهني.

ويتنوع نطاق السياحة العلاجية عالميًا بين العلاج الطبي المتخصص كجراحات القلب، وزراعة الأعضاء، والجراحات التجميلية، والعلاج الطبيعي، وبين الاستشفاء البيئي الذي يعتمد على الموارد الطبيعية مثل العيون المعدنية، والينابيع الكبريتية، والمناخ الجاف. وقد برزت دول مثل الهند، وتركيا، وتايلاند، وكوريا الجنوبية، والأردن (البحر الميت تحديدًا) كمراكز إقليمية ودولية في هذا المجال، بفضل استثمارات ضخمة في البنية التحتية الطبية، وتدريب الكوادر البشرية، بالإضافة إلى استراتيجيات تسويق ذكية استهدفت أسواقًا بعينها، مما منح هذه الدول مزايا تنافسية واضحة.


في هذا السياق، تبرز مصر كدولة تمتلك من المقومات ما يمكنها من المنافسة بقوة على خريطة السياحة العلاجية الإقليمية والدولية. فالموقع الجغرافي الفريد، وتنوع الموارد الطبيعية، خاصة العيون الكبريتية، والرمال الغنية بالمعادن، والطين العلاجي، والمناخ الجاف، كلها عناصر تجعل من مناطق مثل سيوة، وسفاجا، والزعفرانة، وواحات مصر مواقع مثالية للاستشفاء من أمراض الجلد، والمفاصل، والجهاز التنفسي.

وعلى الجانب الطبي، تقدم مصر خدمات متقدمة في مجالات مثل جراحات القلب والتجميل والعلاج الطبيعي، كما تمتلك عددًا من المستشفيات والعيادات التي تتمتع بكفاءات عالية. هذه العوامل مجتمعة تؤهل مصر لتكون وجهة واعدة للسياحة العلاجية، خاصة مع تزايد الطلب العالمي على هذا النوع من السياحة وارتفاع وعي المرضى بأهمية جودة الخدمات المقدمة.


رغم هذه الإمكانيات، لا تزال السياحة العلاجية في مصر تواجه عددًا من التحديات التي تحول دون استغلال كامل لقدراتها. من أبرز هذه التحديات: الحاجة إلى تطوير وتحديث البنية التحتية الطبية والسياحية بما يتماشى مع المعايير الدولية، وتحسين جودة الخدمات الصحية، إلى جانب غياب استراتيجية تسويقية متكاملة تستهدف الأسواق العالمية بكفاءة.
كما أن الإجراءات الإدارية والتشريعية الحالية تحتاج إلى مراجعة وتبسيط لتشجيع الاستثمار، سواء المحلي أو الأجنبي، في هذا القطاع الواعد. ولا يمكن إغفال أهمية وجود تنسيق حقيقي بين الجهات المعنية، سواء وزارتي الصحة والسياحة، أو القطاع الخاص، والمؤسسات الأكاديمية، والغرف السياحية، ونقابة الأطباء، بما يضمن تكامل الأدوار وتحقيق الرؤية المرجوة.


في خضم الحديث عن السياحة العلاجية كمصدر للدخل القومي، يجب ألا تغيب عن الأذهان أهمية ضمان حق المواطن المصري في العلاج، لا سيما في ظل انخفاض متوسط دخله مقارنة بالمستويات العالمية. فالدستور المصري يقر بأن العلاج حق من حقوق الإنسان، ويجب أن تظل الخدمات الصحية والتعليمية متاحة مجانًا للمصريين قدر الإمكان.

وهنا يمكن تحقيق معادلة ذكية: توجيه عوائد السياحة العلاجية لتطوير البنية التحتية للقطاع الصحي داخل مصر، دون تحميل المواطن أعباء إضافية، بل ورفع جودة الخدمات المقدمة له على المدى البعيد.

إن الاستثمار في السياحة العلاجية ليس مجرد مشروع اقتصادي قصير المدى، بل هو استثمار استراتيجي طويل الأجل، يساهم في دعم الاقتصاد الوطني، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ورفع مكانة مصر عالميًا. ولتحقيق ذلك، لا بد من تبني رؤية وطنية شاملة، تركز على الابتكار والجودة وتكامل الخدمات، وتعتمد على التنسيق المستمر بين كافة الشركاء، بما فيهم القطاع الأكاديمي والبحثي.

تمتلك مصر كل المقومات لتكون رائدة في هذا المجال، لكن النجاح الحقيقي يتطلب إرادة سياسية، واستثمارًا مدروسًا، وشراكات فاعلة تترجم هذه الإمكانيات إلى واقع ملموس ينعكس إيجابًا على صحة المواطن واقتصاد الدولة.

المستشار الأسبق لوزير البيئة
عضو حزب العدل 
وعضو لجنة البيئة بنقابة المهندسين