جمعة: المروءة.. خلق عظيم يحيي القلوب ويصون المجتمعات

في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة وتزداد فيه التحديات، تعود إلى الواجهة قيم أصيلة أوصى بها النبي محمد ﷺ، وعلى رأسها المروءة؛ ذلك الخلق النبيل الذي يتجاوز مجرد المعاملة الطيبة، ليكون منهجًا حياتيًّا يحفظ للإنسان كرامته، ويرتقي به في سُلّم الأخلاق.
المروءة بلفظها ومعناها في السنة
الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، أكّد أن المروءة بلفظها ومعناها تكررت في أحاديث النبي ﷺ مرارًا، مستشهدًا بقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال: «حسب المرء دينه، وكرمه تقواه، ومروءته عقله» (رواه الدارقطني وابن أبي شيبة).
وأضاف أن النبي ﷺ رسم للمسلمين ملامح المروءة الحقيقية حين سُئل عنها فقال: «أمّا مروءتنا فأن نغفر لمن ظلمنا، ونعطي من حرمنا، ونصل من قطعنا»، وهذه الكلمات الموجزة تلخص رؤية الإسلام التي تجعل من العفو والإحسان والعطاء أرقى صور المروءة.
وأشار جمعة إلى أن المروءة ليست قيمة جامدة، بل تتغيّر بتغير الأشخاص والأماكن والأزمنة؛ فما قد يُستحسن في زمن أو بيئة قد يُستقبح في أخرى. لذلك حثّ النبي ﷺ وأصحابه على الالتزام بروحها العامة المتمثلة في الكرم والعفة وحسن المعاملة.
فقد قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: «من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يُخلِفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحُرِّمت غيبته» (مسند الشهاب).
كما بيّن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن المروءة هي «العفاف وإصلاح المال»، ليؤكد أن قيمة المروءة تتجلى في سلوكيات المسلم اليومية.
ولعلّ أعظم صور المروءة ما يتمثل في النجدة وإغاثة الملهوف، إذ اتفق علماء الإسلام على وجوب نجدة المستغيث، مسلماً كان أو غير مسلم، استنادًا لقول النبي ﷺ: «إن الله يحب إغاثة الملهوف»، ولقوله ﷺ: «لا تُنزع الرحمة إلا من شقي».
كما جاءت آيات القرآن لتؤكد هذه القيمة، حيث قال تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ [التوبة: 6]، وهو دليل قاطع على أن المروءة لا تقتصر على المسلمين فيما بينهم، بل تمتد لتشمل الإنسانية جمعاء.
وفي الختام؛ تظل المروءة تاجًا على رؤوس أصحابها، وحصنًا حصينًا للمجتمع من التفكك والفرقة، وهي دعوة مفتوحة لكل مسلم أن يتحلى بها قولًا وفعلًا، فهي خُلُق الأنبياء ووصية الصالحين، وبها يكتمل الإيمان ويزكو السلوك.
دعاء جامع:
«اللهم ارزقنا المروءة في أقوالنا وأفعالنا، واغفر لنا ذنوبنا، وألهمنا حسن الخلق، ووفقنا للعفو عمن ظلمنا، والعطاء لمن حرمنا، وصلة من قطعنا، واجعلنا من أهل الرحمة والمغفرة، وارضَ عنا رضا لا سخط بعده أبدًا، يا أرحم الراحمين.»