محو الأمية.. قصة عقد من التنوير المصري بالتعاون مع الأزهر والأوقاف

مع حلول اليوم العالمي لمحو الأمية في 8 سبتمبر 2025، تعود قضية التعليم الأساسي إلى صدارة النقاش العام، باعتبارها حجر الزاوية في بناء الإنسان والتنمية المستدامة، وفي مصر، التي تبنّت هدفًا استراتيجيًا في إطار رؤية 2030 للقضاء على الأمية، شهد العقد الأخير (2015–2025) حراكًا واسعًا تقوده الدولة بالتعاون مع مؤسساتها التعليمية والدينية والمجتمعية، وعلى رأسها الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف والكنيسة المصرية.
تراجع تاريخي في معدلات الأمية

أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن معدلات الأمية في مصر بين الأفراد (10 سنوات فأكثر) تراجعت من 25.8% عام 2017 إلى نحو 16.6% عام 2024، بانخفاض قدره 9.2 نقطة مئوية خلال سبع سنوات فقط .
كما ارتفع معدل محو الأمية بين الشباب (15–24 عامًا) إلى 92.2% عام 2024، مقارنة بنحو 87% قبل عقدٍ من الزمان، ما يعكس استجابة الأجيال الجديدة لمبادرات الدولة .
ورغم هذا التقدّم، لا تزال الفجوة بين الجنسين قائمة؛ إذ بلغت نسبة الأمية بين النساء 21.4% مقابل 12% للرجال في 2024، بعدما كانت النسبة عام 2017 نحو 30.8% للإناث و21.2% للذكور .
كذلك ما زالت معدلات الأمية أعلى في الريف (20.3%) مقارنة بالحضر (11.9%) بالرغم من تقلّص الفجوة بوضوح خلال السنوات الأخيرة .
الأزهر الشريف.. «منبر العلم والقرآن»

منذ 2015، لم يكتفِ الأزهر الشريف بدوره التعليمي التقليدي، بل انخرط في معركة محو الأمية باعتبارها واجبًا دينيًا ووطنيًا، وفي عام 2021، وقّع بروتوكول تعاون مع الهيئة العامة لتعليم الكبار لتوسيع المشاركة الأزهريّة في محو الأمية .
أثمرت هذه الخطوات عن فتح أكثر من 750 فصلًا لمحو الأمية في المعاهد الأزهرية بجميع المحافظات حتى أوائل 2021، والتحاق أكثر من 9 آلاف دارس بها .
كما تجاوزت نسب النجاح في بعض المحافظات الحدود المتوقعة؛ إذ سجلت محافظتا أسيوط والفيوم نتائج بلغت أكثر من 400% من المستهدف، بينما حققت سوهاج 125% من المستهدف خلال نفس الفترة .
ولم تقتصر الجهود على التعليم الأبجدي فقط، بل امتدت لتشمل تقديم التوعية الدينية والأسرية للدارسين، وتحفيز أولياء الأمور على التعلم بمنح أبنائهم تخفيضات في المصروفات إذا نجحوا في اجتياز امتحانات محو الأمية .
كما تم إدماج الكتاتيب والمعاهد الأزهرية الخاصة ضمن منظومة محو الأمية، بما يعادل أكثر من 10 آلاف مكتب تحفيظ قرآن في مختلف أنحاء الجمهورية ، الأمر الذي ضاعف من القدرة الاستيعابية لهذه البرامج.
وزارة الأوقاف.. «المسجد فصل محو أمية»

أما وزارة الأوقاف، فقد وظّفت الانتشار الكبير للمساجد في جميع ربوع مصر لخدمة القضية. ففي يوليو 2019، وقّعت الوزارة بروتوكول تعاون مع هيئة تعليم الكبار لتعزيز دورها في محو الأمية، وأعلن وزير الأوقاف حينها الدكتور محمد مختار جمعة خطة طموحة لافتتاح فصل محو أمية في كل مسجد قدر الإمكان .
أظهرت الإحصاءات آنذاك أن الوزارة تدير 2415 فصلًا لمحو الأمية داخل المساجد، تضم أكثر من 44 ألف دارس، وتمكنت من محو أمية نحو 4588 دارسًا في عام 2019 فقط .
وكان قد شدّد الوزير السابق على أن المتابعة الدقيقة هي الضمان الحقيقي للجودة، مؤكدًا أن النجاح لا يُقاس بالكم فقط، بل بالكيف، ومدى تحوّل الأمي إلى فردٍ منتج في المجتمع .
ومن خلال خطب الجمعة والدروس الدينية، ساهم الأئمة في رفع الوعي بخطورة الأمية وربطها بالقدرة على فهم القرآن والعبادات، ما شجّع الآلاف على الالتحاق بالفصول، خصوصًا في المناطق النائية.
الاعتراف الدولي: جائزة اليونسكو 2024

لم تتوقف إنجازات مصر عند حدود الأرقام، بل لاقت جهودها اعترافًا عالميًا، فقد حصلت جامعة المنصورة بالتعاون مع الهيئة العامة لتعليم الكبار على جائزة اليونسكو كونفوشيوس لمحو الأمية 2024، بفضل مشروع رائد في تعليم الكبار متعدد اللغات، ساهم في تمكين آلاف الدارسين من مهارات القراءة والكتابة وربطها بالتنمية المجتمعية .
التحديات والآفاق المستقبلية
على الرغم من التقدم الملحوظ، إلا أن التحديات لا تزال قائمة. فمعدلات الأمية في بعض محافظات الصعيد مثل سوهاج (25.1%) وبني سويف (25%) والفيوم (24.7%) عام 2024 ما زالت مرتفعة مقارنة بالمعدل القومي . كما أن الأمية بين النساء في الريف تظل عقبة كبيرة أمام تحقيق الهدف الوطني.
تدرك الدولة هذه التحديات، ولهذا تعمل على إدماج التكنولوجيا في برامج محو الأمية تماشيًا مع شعار اليونسكو لعام 2025: «تعزيز محو الأمية في العصر الرقمي» .
حيث يتم استخدام المنصات الإلكترونية والتطبيقات الذكية لتعليم الكبار، مع الاستعانة بأفراد الأسرة المتعلمين في نقل المعرفة لكبار السن .
يؤكد مسار العقد الأخير أن القضاء على الأمية في مصر لم يعد حلمًا بعيد المنال، بل هدفًا ممكنًا يتحقق بخطوات متسارعة. لقد أثبت التعاون بين الدولة والأزهر الشريف ووزارة الأوقاف والكنيسة المصرية، مدعومًا بجهود الجامعات والمجتمع المدني، أنه السبيل الأمثل للوصول إلى ملايين الأميين في القرى والنجوع والمدن على حد سواء.