طالبت التجار بخفض الأسعار لزيادة فاتورة الغاز للمصانع
حكومة «مدبولى» تحارب المصريين

الاعتراضات أجّلت قرار رفع أسعار الغاز.. والحكومة ملزمة بالتنفيذ لإرضاء صندوق النقد
خبراء: تناقض واضح فى السياسات الحكومية وتأثير سلبى على أسعار السلع
د. يمن الحماقى: مطلوب إجراءات داعمة للصناعة ومبادرات تمويلية منخفضة الفائدة
على الإدريسى: يجب أن تبدأ الحكومة بنفسها وتتوقف عن رفع أسعار المحروقات والكهرباء
محمد البهى: الصناعة تحتاج إلى نظرة شاملة ودعم قوى من الحكومة وليس رفع تكاليفها
احتياجات القطاع الصناعى 2.1 مليار قدم مكعب غاز يومياً.. وإجمالى الاستهلاك المحلى 6.2 مليار
فى الوقت الذى تطالب فيه الحكومة المنتجين والمصنعين بضرورة خفض الأسعار، نشرت تقارير إعلامية أن الحكومة تنوى زيادة أسعار الغاز الطبيعى المورد للمصانع بحد أدنى قدره دولار واحد لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، لكن تم تأجيل هذه الزيادة بعد تقديم شركات الأسمدة طلبات برفع أسعار منتجاتها إذا تم تطبيق قرار الزيادة بشكل رسمى.
وإذا كان القرار قد تم تأجيل تنفيذه، فإن هذا لا يعنى إلغاؤه، وهو ما يؤكد عزم الحكومة على العمل بعكس ما تقول، ففى الوقت الذى تطالب فيه التجار والمنتجين بخفض الأسعار، وتقوم بعمل مبادرات، تنوى رفع أسعار الغاز – مصدر الطاقة الأهم للمصانع- وهو ما يعنى زيادة الأسعار على المستهلك، فى تناقض واضح بين أقوال الحكومة وأفعالها.
يذكر أن الحكومة تبيع الغاز الطبيعى للمصانع بأسعار متفاوتة حسب طبيعة النشاط الصناعى، حيث يحدد بسعر لا يقل عن 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية لصناعة الأسمدة الأزوتية وفق معادلة سعرية خاصة، و5.75 دولار لصناعة الأسمدة غير الأزوتية والحديد والصلب، و12 دولاراً لصناعة الأسمنت، و4.75 دولار لمختلف الأنشطة الصناعية الأخرى، و4 دولارات لمحطات توليد الكهرباء، بينما يحتسب السعر عند 210 جنيهات مصرية لكل مليون وحدة حرارية بريطانية لقمائن الطوب.
واتفقت الحكومة مؤخرًا على ضم الصناعات المتعاقدة على الغاز مع الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» وفقًا لعقود تتضمن معادلة سعرية حدها الأدنى 4.5 دولار للمليون وحدة حرارية.
وكان من المقرر أن تتضمن زيادة سعر الغاز الطبيعى للمصانع جميع الصناعات المتعاقدة مع «إيجاس» على كميات الغاز اللازمة لتشغيل وحداتها الإنتاجية.
وتقدمت «إيجاس» بدراسة تحدد تكلفة المليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعى الذى يتم ضخه للمصانع على مصر بنحو 6 دولارات وفقًا لمعدلات إنتاج واستيراد العام المالى الماضى 2024-2025، والتى سترتفع لأكثر من ذلك فى العام المالى الجارى بسبب زيادة معدلات استيراد الغاز للبلاد.
وتشكل مصانع الأسمدة والبتروكيماويات ما بين 35% و40% من إجمالى استهلاك القطاع الصناعى من الغاز، الذى تقدر احتياجاته بنحو 2.1 مليار قدم مكعب يوميًا، ضمن إجمالى استهلاك محلى يبلغ 6.2 مليار قدم مكعب يوميا، فى حين يتراوح الإنتاج المحلى حاليا بين 4.1 و4.3 مليار قدم مكعب.
من ناحية الأخرى، عقد الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، مؤخرًا اجتماعًا لمتابعة جهود خفض الأسعار المختلفة مع التجار والمصنعين، أكد خلاله أن الحكومة على مدار الفترة الماضية، كانت ولا تزال حريصة على ضمان الالتزام بتوفير السلع المختلفة، وكذا مستلزمات الإنتاج للمصانع.
وأضاف «مدبولي»: «نجحنا فى تحقيق ذلك عبر استقرار تام والتزام من الجهاز المصرفى بتوفير كل المتطلبات من المكون الأجنبى من العملة الصعبة، خلال الفترة الماضية»، مشددا على أن المطلوب حاليا هو أن يشهد المواطن انخفاضا فى أسعار السلع، خاصة أن سعر الدولار يسجل انخفاضا خلال الفترة الأخيرة مقابل الجنيه.
وفى هذا الإطار، طالب رئيس الوزراء رئيس اتحاد الغرف التجارية بالاتفاق مع رؤساء الغرف التجارية، على تخفيضات حقيقية فى الأسعار لمختلف السلع.
الغاز بعد المياه
قالت الدكتورة يمن الحماقى، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، إن الحكومة رفعت مؤخرا تكلفة المياه للمصانع، واليوم جاء الدور على الغاز، ولدينا حاليا العديد من المصانع المغلقة، ومعظمها صناعات متوسطة وصغيرة الحجم، فكيف تتحدث الحكومة بعد ذلك عن رغبتها فى أن تكون الصناعة محركًا للنمو فى البلاد.
وأضافت «الحماقى» أنه لا بد من التفاوض مع صندوق النقد الدولى لتأخير زيادة التكاليف على المصانع، لأنها لن تستطيع المنافسة محليا وخارجيا بهذا الشكل، أو يتم تعويضها بإجراءات أخرى، مثل التوسع فى التمويلات منخفضة الفائدة، وإطلاق مبادرات جديدة عقب الانخفاض المتوقع فى الفائدة قريبا، ووقتها من الممكن إعادة تفعيل مبادرة الرئيس السابقة بـ5% ومبادرة الصناعة بـ 11%، إذا اضطررنا لرفع أسعار الطاقة على المصانع كما هو متفق عليه مع الصندوق.
وأشارت أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، إلى أنه لا يجب أن تنظر الحكومة إلى قطاع الصناعة من زاوية واحدة فقط، بل يجب أن تكون من كل الزوايا، ومعرفة المتغيرات المؤثرة عليه وكيف نحافظ على قدرته على المنافسة لزيادة التصدير.
وتساءلت كيف تطالب الحكومة المنتجين بضرورة تخفيض الأسعار لمواجهة التضخم، حتى يشعر المواطن بثمار الإصلاح الاقتصادى، وفى نفس الوقت تخطط هى لرفع أسعار الغاز ومدخلات الإنتاج على المصانع؟، مشيرة إلى أن رفع أسعار الطاقة معناه رفع تكلفة الإنتاج على المصنعين، وبالتالى لن يستطيعوا خفض الأسعار.
وذكرت «الحماقى» أن ارتفاع أسعار الطاقة، بالإضافة إلى أسعار المياه والتكلفة الباهظة للفساد والبيروقراطية، أدى إلى إغلاق عدد كبير من المصانع المتوسطة والصغيرة، لأن المصانع الكبيرة فقط هى التى تستطيع تحمل هذه التكاليف، ولذلك لن تستطيع الدولة تحقيق هدفها المتمثل فى خفض الأسعار وزيادة الصادرات.
واختتمت حديثها بالقول: «إذا لم تأخذ الحكومة بعين الاعتبار المصانع المتوسطة والصغيرة المتعثرة حاليا، وتضع خططًا واضحة لزيادة الطاقات الإنتاجية، تقلل من خلالها التكاليف، فإننا لن نصل إلى هدف زيادة الصادرات إلى 100 مليار دولار، ولن نواجه الفقر كما ينبغى، ولن تنخفض الأسعار بالشكل المطلوب، لأنه لن يقوم أى مصنع ببيع منتج ما بأقل من التكلفة لمجرد أن الحكومة طالبته بذلك».
تناقض
التقط طرف الحديث الدكتور على الإدريسى، الخبير الاقتصادى، قائلا: إن ما تنوى الحكومة فعله برفع أسعار الغاز على المصانع يشير إلى تناقض واضح فى سياساتها، فكيف تطالب المنتجين منذ أيام بضرورة خفض الأسعار، وتريد الآن رفع أسعار الغاز الذى يعتبر واحدًا من أهم مدخلات الإنتاج؟
وتساءل «الإدريسى» أيضا: كيف ترفع الحكومة أسعار السلع والخدمات التى يقتصر تسعيرها عليها مثل المحروقات والسجائر، ومن المتوقع زيادة أسعار الكهرباء والبنزين فى شهر أكتوبر، وفى نفس الوقت تطالب التجار والمنتجين بخفض الأسعار؟
وأوضح الخبير الاقتصادى، أن الغاز والمازوت والكهرباء مدخلات إنتاج أساسية، وبالتالى إذا زاد سعرها فإن تكلفة الإنتاج ستزيد هى الأخرى، ولن يستطيع المنتج تخفيض أسعار منتجاته بناء على ذلك، وبالتالى من سيتحمل العبء هو المواطن أو المستهلك النهائى للسلع.
وتابع: «بعد دعوة الحكومة لخفض الأسعار لم تتراجع أسعار السلع الرئيسية، إلا الدواجن وذلك بسبب ارتفاع درجات الحرارة وهو أمر طبيعى يحدث كل عام، وليس للحكومة يد فى الأمر، كما أن بعض السلع انخفضت أسعارها بسبب الركود التضخمى الشديد الذى مرت به مصر خلال العامين الماضيين وأبرزها السيارات».
وأشار «الإدريسى» إلى أنه حتى نشهد انخفاضا حقيقيا فى الأسعار، لابد على الحكومة أن تمنح المنتجين والمصنعين حوافز لتشجيعهم على زيادة الإنتاج، وتشديد الرقابة على الأسواق، لأن هناك ممارسات احتكارية واضحة موجودة فى الأسواق، أبرزها تخفيض شركات الأسمنت أو الحديد للأسعار بشكل موحد، أو رفعها بشكل موحد، كأن هناك اتفاقات بين الشركات على التسعير، وهو أمر يشير إلى وجود ممارسات احتكارية فى الأسواق، وكذلك فى سلع عديدة أخرى.
وأكد أنه لابد على الحكومة أن تبدأ بنفسها وتقوم بتخفيض أسعار السلع والخدمات المقتصر تسعيرها عليها، ثم تطالب المنتجين بتخفيض أسعار منتجاتهم.
وتوقع «الإدريسى» أن نشهد موجة من الارتفاعات المقبلة فى أسعار السلع قريبا، لأن الحكومة مجبرة على ذلك بسبب اتفاقها مع صندوق النقد الدولى وسعيها إلى الحصول على الموافقة على المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامجها مع الصندوق، وما نشهده حاليا من مطالبة الحكومة بخفض الأسعار هو الهدوء الذى يسبق العاصفة.
معاناة مستمرة
أشار محمد البهى، عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية ورئيس لجنة التعاون العربى فى الاتحاد، إلى أن ارتفاع أسعار الغاز أو الطاقة ليس المكون الرئيسى الوحيد فى القطاع الصناعى، بل أحد المكونات الرئيسية فى القطاع.
وأضاف «البهي» أن القطاع الصناعى يعانى خلال السنوات الماضية منذ ثورة 2011، وتحمل أعباء كثيرة وتآكلت هوامش الربح فيه نتيجة الأحداث الجيوسياسية وعدم الاستقرار على المستوى الإقليمى والعالمى، بالإضافة إلى جائحة كورونا.
وأوضح عضو مجلس اتحاد الصناعات، أن هذه الأحداث أثرت على تكاليف الإنتاج والنقل الخاصة بقطاع الصناعة، فضلا عن شح وتناقص مدخلات الإنتاج لدى المصانع وارتفاع أسعارها، بالإضافة إلى تعويم الجنيه وارتفاع سعر الدولار، وكل ذلك أثر سلبا على قطاع الصناعة، وبالتالى فإن الصناعة تسير حاليا على المحك، وبدلا من رفع أسعار الغاز، فإنها تحتاج إلى الدعم من جانب الحكومة حتى تستكمل مسيرتها.
وأكد «البهي» أن القطاع يحتاج إلى الدعم بالفعل فى الوقت الحالى، حتى يستطيع الاستمرار فى الإنتاج والتصدير، مشيرا إلى أن قطاعات الأسمدة والحديد والزجاج والسيراميك من أبرز المجالات المتأثر بارتفاع أسعار الطاقة.
ولفت إلى أن رفع أسعار الغاز على المصانع مع ارتفاع تكاليف الإنتاج يشير إلى وجود تناقض فى أهداف الدولة بزيادة التصدير إلى 100 مليار دولار، لأنها ترفع التكلفة على المصانع المصرية، فى الوقت الذى تمنح فيه الدول المنافسة لنا فى المنطقة مصانعها حوافز متعددة، وأسعار طاقة منخفضة، وبالتالى إذا خسرت المصانع المصرية مكانتها الحالية، فإنها لن تستطيع استعادة هذه المكانة بسهولة فيما بعد.
واختتم تصريحاته بالقول: «قطاع الصناعة يحتاج إلى نظرة شاملة واسعة من جانب الحكومة من أجل استمراره وزيادة الإنتاج».