بدون رتوش
فضيلة الداعية الشيخ «محمد الغزالى» (٢/١)
يصادف الشهر الجارى تاريخ ميلاد فضيلة المفكر الإسلامى الشيخ «محمد الغزالى»، حيث ولد فى الثانى والعشرين من سبتمبر 1917، وتوفى فى مارس 1996. وهو غنى عن التعريف. إنه الرجل الذى كان يردد دائمًا «أنه عبد الحق وحده». عصرى النظرة، ذو أفق واسع. ملك خلفية ثقافية عريضة مكنته من أن يتحدث عن الموضوع الذى يتطرق إليه بثقة وعمق كاملين. يتحدث فى هدوء يمتص من خلاله أى انفعال عارض أو جدلية تثير الضوضاء. يقنعك عبر رواق حكمته بوجهات نظر كثيرة. التقيته فى 1990 ليحدثنى عن المعاصرة بصورة لا تتنافى مع الأصالة، حيث إنه يجمع بينهما. كما أنه يؤمن بازدواجية الشورى والديمقراطية، فهما صنوان لشىء واحد.
رائد وزعيم من خيرة الذين فهموا الإسلام وتعمقوا فيه. كان من أكثر الرواد دأبًا على إبلاغ كلمة الله وإظهار وضاءة الإسلام وعظمته وجلاله. كان غيورًا على الإسلام إلى أبعد ما تكون الغيرة فى عقلية متفتحة وقلب سديد. حدثنى عن الشورى فى الإسلام بوصفها حركة العقل الإنسانى فى تعرف المصالح، فلا مكان للشورى فى الأمور العقائدية والعبادية والأخلاقية. فإذا قال الله تعالى : «أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة»، فلا مكان للشورى، ولا يجوز لأحد أن يقول من حقنا ترك هذه ومنع تلك. وإذا قال القرآن: «فاعلم أنه لا إله إلا الله» لا يجوز لنا أن نذهب إلى عكس هذا. كما لا يقبل فى مجال الأخلاق أن يجىء من يقول: (الصدق مر فلتكذب)، أو (الكرم مكلف فلنبخل). فإن الفطرة الانسانية وتعاليم الدين اتفقا على تحسين الحسن وتقبيح القبيح فلا مجال هنا لاثارة اللغط.
ويتحدث عن الفضيلة فيقول: (الفضيلة لا تتغير على امتداد العصور. لا يقبل فى أى مجتمع أن تتغير فيه الفضيلة. ويوم يستبيح فيه الانسان التزوير أو الصفاقة ويرى أن الصراحة والصدق والحياء رذائل فإنه يكون قد خرج عن إنسانيته. ويوم أن يخرج الإنسان عن فطرته فإن قوانين الغاب تحكمه وعندئذ يكون الكلام فى الشورى نوعًا من اللغو. نحن نريد الشورى لتنظيم حياة إنسانية فيها العدل قيمة لا تتغير، وإن اختلفت موازين القوى. بمعنى أن مجلس الأمن لو قرر ظلم دولة ضعيفة بأغلبية الأصوات فإن الشورى هنا والأصوات هنا لغة ولا يمكن أن يقبل الظلم بكثرة الأصوات أو بقلتها).
وعندما قلت له: لقد ذكرتم بأنه لا مكان للشورى فى الأمور العقائدية والعبادية والأخلاقية. فأين تكون الشورى إذن؟
أجابنى قائلًا:( هناك انطلاق إنسانى كامل أمام الشورى فى عدة مجالات. الأولى الشئون المدنية العامة التى ترضى بها الحضارة الإنسانية وتنمو بها الأمم ويزدهر العمران. قال فيها صاحب الرسالة: «أنتم أعلم بشئون دنياكم». فإذا فوض لنا العلم فلا ينبغى أن ندع هذا التفويض يسقط على الأرض باسم الإسلام. وللعقل الإنسانى مجاله الرحب هنا دون قيد. وللناس أن يخترعوا ويختلفوا ويبدوا آراءهم ولا حرج عليهم قط. الأمر الثانى هناك قيم عامة وضعها الدين ولكن لم يضع لها وسائل محددة كالعدالة والتعليم والدفاع عن الحق والوطن وأنظمة الشورى والجهاد الأدبى والمعنوى. فهذه كلها أهداف عامة تتجدد وسائلها مع سير الزمان وتقدم الحضارة الانسانية. وهنا للشورى دخلها الكامل أيضًا فى تنويع هذه الوسائل ومناقشتها واتخاذ أى قرار فيها. فإن ذلك ما دام واردًا فى الاطار الاسلامى الذى أشرنا إليه آنفًا فنحن أحرار فى الوسائل التى نتخذها. وللحديث بقية….