بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

مرتفعات ويذرينج.. رواية تتحدى الزمن وتغوص في أعماق العاطفة البشرية

رواية مرتفعات ويذرينج
رواية "مرتفعات ويذرينج" للكاتبة البريطانية إميلي برونتي

لا تزال رواية "مرتفعات ويذرينج" للكاتبة البريطانية إميلي برونتي تُثير الإعجاب وتستدرج القراء في مختلف الأجيال، باعتبارها واحدة من أكثر الأعمال الأدبية إثارةً للجدل والتحليل. 

ومنذ صدورها عام 1847، لم تُقرأ هذه الرواية على أنها مجرد قصة حب، بل كرحلة عاصفة في دهاليز النفس البشرية، حيث الحب والانتقام والعزلة تتشابك بطريقة لا ترحم.

حب يتجاوز المنطق ويتحدى الأخلاق

في قلب الرواية نجد العلاقة المعقدة بين هيثكليف وكاثرين إيرنشو، علاقة تتجاوز المفهوم التقليدي للرومانسية، لتصبح شغفًا مظلمًا يلتهم الشخصيتين ومن حولهما. حبٌ وُلد في الطفولة، لكنه سرعان ما انحرف بفعل الكبرياء والطبقية، ليُصبح أداة للانتقام والتدمير. 

ويكبر هيثكليف، الطفل اليتيم الذي تبناه السيد إيرنشو، في منزل يفتقر إلى الحنان ويواجه التمييز، لكنه يزرع بذور العشق العنيف في قلب كاثرين، التي تختار لاحقًا الزواج من إدغار لينتون، رجل يتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة.

الانتقام لا يموت... بل يرثه الأبناء

غياب هيثكليف المفاجئ وعودته بعد سنوات محمّلًا بالحقد، يمثل التحول الجذري في مسار الرواية. يعود رجلًا ثريًا، لا ليبحث عن الحب، بل لينتقم ممن سرقوا منه سعادته. 

وبذكاء لا يخلو من القسوة، يُعيد ترتيب مصائر عائلتي إيرنشو ولينتون، لينشئ دوامة من الألم تشمل الجيل التالي من الأبناء. لكن هذا الجيل، ممثلًا في كاثي لينتون وهاريتون إيرنشو، يختار في النهاية أن يفكك قيود الكراهية، ويفتح بابًا أمام المصالحة والشفاء.

أراضي المور: الطبيعة كامتداد للروح البشرية

تلعب بيئة الرواية دورًا مركزيًا لا يقل أهمية عن الشخصيات. المور، تلك الأراضي الريفية القاسية في يوركشاير، تُجسد المشاعر الخام وغير المروّضة لهيثكليف وكاثرين. قسوتها وجمالها العنيف يعكسان الفوضى التي تعصف بقلوب الأبطال، وكأن الطبيعة نفسها تشاركهم رحلتهم نحو السقوط أو الخلاص.

رسالة تتخطى الزمن

رغم مرور ما يقرب من قرنين من الزمان على تأليفها، لا تزال "مرتفعات ويذرينغ" تحتفظ بقدرتها على ملامسة القلوب وهزّ النفوس. تطرح الرواية أسئلة وجودية حول قدرة الإنسان على الغفران، ومعنى الحب عندما يتحول إلى هوس، والنتائج الكارثية للقرارات المندفعة. لكنها، في الوقت ذاته، تمنح القارئ شعاع أمل من خلال نهاية أكثر صفاءً وإنسانية مع الجيل الجديد.

لماذا نعود دائمًا إلى "مرتفعات ويذرينج"؟

لأنها ليست مجرد قصة، بل مرآة تعكس في كل قراءة جديدة جانبًا مختلفًا من النفس. تقدم لنا برونتي عملًا أدبيًا يتحدى التقاليد، ويتعامل بجرأة مع مفاهيم الحب، الحقد، الطبقية، والهوية. 

وتعتبرالرواية لا تُنسى، ليس فقط بسبب أسلوبها الفني المتقن، بل لأنها تقول لنا ببساطة: الإنسان ليس كائنًا بسيطًا، بل مزيجٌ من النور والظلمة.