بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

الزاد

الحرية ليست الأزمة

كثيرًا ما يُختزل الحديث عن نهضة الإعلام أو الصحافة فى عبارة «حرية الرأى»، وكأنها المعيار الأوحد لجودة الصحافة. والحقيقة أن هذا التبسيط لا ينصف المهنة ولا يعكس جوهر الحرية. فالحرية حين تُمارس بلا وعى أو ضابط تتحول إلى فوضى، بل قد يكون غيابها أهون من وجودها مشوهة.
لقد أصيبت الصحافة فى فترات طويلة بعلّة خطيرة؛ إذ غلبت عليها لغة الشائعات على حساب صوت الحقيقة. بينما فى التجارب الصحفية الرصينة، لا تُنشر قضية رأى عام إلا بعد التحقق من الوثائق، والاستماع إلى جميع الأطراف، والالتزام بقاعدة التصحيح إذا ظهر الخطأ. لأن الصحافة ليست كيانًا فوق القانون، بل شريك أساسى فى العدالة الاجتماعية.
اليوم، ومع تكرار الدعوات إلى تطوير الإعلام، يصبح واضحًا أن الحرية لا تنفصل عن المسئولية. لا جدوى من شعارات الحرية إذا لم يقابلها التزام مهنى صارم يضع المصداقية فى المقدمة. فالقارئ لا يبحث عن صخب الأصوات، بل عن صحيفة تصون حقه فى الحقيقة، تحترم الرد، وتعرض الوقائع بتوازن.
ومن المهم ألا نشغل الناس بقضية حرية الرأى وكأنها المعضلة الوحيدة، بينما جوهر الأزمة فى مكان آخر: فى نوعية المحتوى، وفيمن يتولى صناعته. الإصلاح لا يتحقق باختيار نماذج تبحث عن منصب أو وجاهة، بل باختيار صحفيين حقيقيين قادرين على صناعة الفارق، وامتلاك أدوات التجديد والتأثير.
الأزمة الحقيقية لا تكمن فى القيود وحدها، بل فى المحتوى. نحن بحاجة إلى موضوعات حقيقية وأفكار تليق بعصرنا، بعيدًا عن القضايا التقليدية أو ملاحقة «الترند» السطحى. فالأفكار الخلاقة لا تعنى اغتيال السمعة أو التشهير، وإنما الإبداع فى طرح ما ينفع الناس.
العالم كله لا مكان فيه اليوم لفصلٍ مصطنع بين صحافة «معارضة» وأخرى «قومية». العالم كله يعرف نوعًا واحدًا من الصحافة، صحافة وطنية ناضجة، تطرح الإيجابيات والسلبيات معًا، وتضىء كل تجربة تستحق الاحترام. التوقف عن مغازلة المعلن أو ابتزازه ليس مجرد مطلب، بل شرط لبقاء المهنة.
المحتوى ثم المحتوى.. هو الفارق بين صحيفة راسخة تحظى بثقة، وأخرى هشة لا تُذكر إلا عابرًا فى الهامش. ومن لا يدرك هذه الحقيقة، فلن يكون جزءًا من مستقبل الصحافة، بل مجرد شاهد على أفولها.