بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

وُلِدَ اَلْهُدَى

يا حبيبى يا رسول الله؛ لو لم يكتب أحمد شوقى غير رائعته «ولد الهدى» فى مدح النبى صلى الله عليه وسلم، والتى قامت بغنائها كوكب الشرق أم كلثوم من ألحان عبقرى الموسيقى العربية رياض السنباطى، لكفى بها أن يتوج شوقى أميرا للشعراء. وهى ليست مجرد قصيدة، لكنها تحفة شعرية فنية متكاملة، عميقة المعانى، رائعة البيان والتصوير. ولعل ظروف ولادة القصيدة هى ما أضفت عليها مزيدا من البهاء، فقد ولدت من رحم المنفى والوحدة والاغتراب السياسى، بعدما قام الاحتلال الإنجليزى بنفى أحمد شوقى إلى إسبانيا 1914 عقب اندلاع الحرب العالمية الأولى مع الخديو عباس حلمى الثانى بسبب مواقفه الوطنية وميله للدولة العثمانية، هذا الاغتراب الذى كان له بالغ الأثر فى نفس وروح شوقى، والعزلة بعيدا عن وطنه لمدة خمس سنوات جعلته أكثر حنينا لمنابع الإيمان والتراث خاصة بعد اطلاعه على حضارة وثقافة الأندلس الإسلامية، ما دفعه لمدح النبى -صلى الله عليه وسلم- طلبا للسلوى والطمأنينة. فبعد الحزن على النفى والإبعاد وفقدان المكانة، وجد شوقى سلواه فى مدح الرسول محمد المصطفى الذى اصطفاه ربه فأرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون. هذا الأمان، وهذه الطمأنينة التى شعر بها شوقى فى منفاه من مدح النبى، نشعر بها مع كل صلاة كريمة طيبة عليه صلوات الله وسلامه عليه. وشعرت بها بمجرد أن تجاوزت إحدى بوابات المسجد النبوى الخارجية للمرة الأولى، وهذه الرائحة الزكية الطيبة التى سرى حفيفها داخل الروح والنفس قبل الأنف. وهذا الهدوء والنور المحمدى الذى أضاء فى داخلى بمجرد دخول المسجد النبوى الشريف، هو إحساس غير قابل للوصف، وسكينة وطمأنينة أنك فى حضرة النبى العدنان إحساس من الجنة. هذه الزيارة التى تصبح بعدها غير ما كنت قبلها. «هكذا جاءت وُلد الهدى» تمجيدا ومدحا للنبى صلى الله عليه وسلم، كمنارة روحية تعطيه القوة لمواجهة قسوة الغربة وتُذكّر الأمة بجذورها.
أما عن اختيار كوكب الشرق أم كلثوم لنحو 34 بيتا من القصيدة التى غنتها للمرة الأولى فى حديقة النادى الأهلى 1949 احتفالا بالمولد النبى الشريف، فتلك حكاية أخرى، تشير المصادر إلى أنها جاءت على غير رغبة ملكية، حيث اعترض القصر الملكى آنَذاك على بعض أبيات القصيدة بدعوى أنها تدعو للاشتراكية التى يبغضها الملك فاروق، وعلى وجه التحديد بيت «الاشتراكيون أنت إمامهم.. لولا دعاوى القوم والغلواء». غير أن أم كلثوم أصرت على غناء الأبيات المختارة بمعاونة أحمد رامى كاملة. 
ومع الذكرى الشريفة العطرة المتجددة عاما بعد عام بمولد خير الأنام؛ يطل معها علينا صدى قصيدة أحمد شوقى الخالدة «وُلد الهدى» التى أصبحت علامة فارقة فى الاحتفاء بهذه المناسبة العطرة. تلك القصيدة التى أصبحت خالدة فى وجدان الأمة، إذ أصبحت جزءًا من طقس جماعى يعمق ارتباط الناس بسيرة الرسول الكريم. اليوم، وبعد أكثر من قرن على كتابتها، ما زالت «وُلد الهدى» تذكّرنا بأن المولد النبوى ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل محطة متجددة لاستلهام معانى الرحمة والهداية التى جاء بها النبى صلى الله عليه وسلم.