انتخابات النواب.. هل تصبح نقطة تحول فى مسار العمل الحزبى؟
مع ترقب الوسط السياسى موعد انتخابات مجلس النواب 2025، تزداد سخونة المشهد السياسى المصرى وتتصاعد التساؤلات حول ملامح الترتيبات الحزبية والتحالفات المحتملة. فلم يعد التنافس الانتخابى مجرد معركة فردية على مقاعد البرلمان، بل تحوّل إلى اختبار لمدى قدرة القوى الحزبية على تجاوز خلافاتها وبناء جبهات انتخابية عريضة تعكس روح التوافق أكثر مما تجسد صراع المصالح الضيقة.
لقد أثبتت التجارب السياسية أن الأحزاب التى تخوض الانتخابات منفردة تواجه صعوبات مضاعفة فى الوصول إلى تمثيل واسع داخل البرلمان، بينما تمنح التحالفات للمرشحين قوة إضافية على الأرض وتمنح الناخبين شعورا بوجود جبهة متماسكة تحمل برنامجا واقعيا، غير أن نجاح هذه التحالفات يظل مرهونا بقدرتها على صياغة رؤية مشتركة وبرامج واضحة، بدلا من الاكتفاء بترتيبات وقتية سرعان ما تنهار بعد إعلان النتائج.
وفى الوقت نفسه بدأت الأحزاب بالفعل فى إعداد برامج انتخابية تراعى التحديات الراهنة سواء على الصعيد الاقتصادى أو الاجتماعى. بعض الأحزاب كثفت من تواجدها الميدانى عبر عقد لقاءات جماهيرية وفتح مقرات جديدة فى المحافظات، بينما اتجهت أخرى للاعتماد على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى لنشر رسائلها السياسية. لكن يظل الرهان الأساسى على قدرة هذه الأحزاب على الاقتراب من الشارع بشكل مباشر والحديث بلغة المواطن البسيط بعيدا عن المصطلحات المعقدة. فالمعركة المقبلة ليست فقط حول مقاعد البرلمان، وإنما حول استعادة ثقة المواطن فى أن العمل الحزبى قادر على إحداث فارق حقيقى فى حياته اليومية.
ورغم هذه الاستعدادات، فإن الأحزاب لا تزال تواجه تحديات كبيرة تتعلق بضعف التمويل الذى يحد من قدرتها على تنظيم فعاليات جماهيرية أو حملات إعلانية مؤثرة، فضلا عن غياب الكوادر المؤهلة حيث ما زالت بعض الكيانات تعتمد على الوجوه التقليدية نفسها دون ضخ دماء جديدة قادرة على مخاطبة الشباب وفهم أولويات الجيل الجديد. كما أن ضعف التواصل مع القواعد الشعبية يمثل عائقا آخر، إذ تقتصر بعض الأحزاب على النخب والقيادات بينما تبقى الجماهير بعيدة عن المشاركة الفعالة فى صناعة القرار.
وللتغلب على هذه التحديات تبدو الحاجة ملحة لتغيير أسلوب إدارة العمل الحزبى عبر الانفتاح على الكوادر الشبابية وتبنى خطط تدريبية لإعداد مرشحين مؤهلين، إلى جانب تعزيز الشفافية فى إدارة الموارد، كما أن التعاون بين الأحزاب من خلال تحالفات ذكية يمكن أن يخفف من عبء التمويل ويضاعف من قوة الحملات الانتخابية. لكن الأهم هو الانتقال من التركيز على الشعارات العامة إلى تقديم برامج واقعية قابلة للتنفيذ، بحيث يشعر الناخب أن صوته سيترجم إلى سياسات ملموسة.
لكن يجب أن تعى القوى الحزبية والسياسية بشكل عام أن الهدف الأسمى لأى استحقاق انتخابى يظل هو تعزيز المشاركة الشعبية، فالإقبال على صناديق الاقتراع ليس مجرد واجب دستورى بل مؤشر على حيوية المشهد السياسى. وعلى الأحزاب أن تعمل بجدية على توعية المواطنين بدورهم فى صياغة السياسات العامة، وأن تنزل إلى الشارع وتخاطب الناس فى قراهم ومدنهم وتعرض حلولا ملموسة لمشكلاتهم اليومية.
وبالتالى، فإن نجاح انتخابات مجلس النواب 2025 لن يُقاس فقط بعدد المقاعد التى يحققها هذا الحزب أو ذاك، وإنما بمدى قدرة القوى السياسية على إعادة رسم صورة جديدة للعمل الحزبى، قوامها التعاون لا الصدام، والبرامج الواقعية لا الشعارات، والمصداقية لا المزايدات. فإذا استطاعت الأحزاب تقديم هذه الصورة، ستتحول الانتخابات المقبلة من مجرد استحقاق دستورى إلى محطة فارقة تعزز المسار الديمقراطى وتعيد الثقة فى جدوى العمل السياسى والحزبى فى مصر.