بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

حين يختبئ الخطر خلف الشاشات

في زمنٍ تتوهج فيه شاشات الهواتف والحواسيب بين أيدينا لتخطف الفكر والبصر، صار الضوء الأزرق رفيقًا يوميًا لا يغيب، حتى بات يلاحق أعيننا في كل لحظة، ويوقظ أدمغتنا حتى قبيل الاستعداد للنوم، بحيث يخترق جدران حياتنا بهدوء، وعلى الرغم من أن الكثيرين ينظرون إليه على أنه مجرد لونٍ في طيفٍ ضوئي، لكنه في الحقيقة أكثر دهاءً مما نتخيل.
ففي هذا السياق تؤكد الأبحاث الطبية الحديثة إلى أن الإفراط في التعرض للضوء الأزرق يربك ساعة الجسم البيولوجية، فيمنع إفراز "الميلاتونين"، فيتحول الليل إلى نهارٍ داخلي، ويضطرب الإيقاع الطبيعي للعقل والجسد، ومع هذا فالقضية لا تتوقف عند حدود الأرق والإرهاق البصري، بل تتعداها إلى ما هو أعمق: التأثير على وظائف الدماغ ذاته.
ومن ثم لاح في الأفق مصطلح مقلق بدأ يتردد في الدراسات العلمية: "عفن الدماغ"، وهو تعبير مجازي عن التدهور المعرفي الذي يسببه مزيج من العوامل البيئية، أبرزها تلوث الهواء، الموجات الكهرومغناطيسية، والضغوط الرقمية المستمرة ومن أخطرها الضوء الأزرق، بحيث تتكاتف هذه العناصر لتنهش في الذاكرة والتركيز، فتجعل العقل أقل قدرة على الاحتفاظ بالمعلومة أو اتخاذ القرارات.
حيث أكدت دراسة Trevor R. Nash وآخرون إلى أن التعرض اليومي للضوء الأزرق يمكن أن يؤدي إلى انخفاض العمر والإضرار بأعصاب الدماغ إلى جانب ضعف الحركة. في حيث أوضحت دراسة Jun Yang وأخرون إلى أن التعرض للضوء الأزرق يؤدي إلى تحفيز الجينات المستجيبة للتوتر، وهو ما يؤكد على خطر التعرض التراكمي، وهو ما قد يؤدي إلى تسريع الشيخوخة.
وهكذا، يصبح المشهد أشبه بتحالف خفي بين ضوءٌ أزرق يسرق النوم ويستنزف الطاقة العصبية، وعوامل بيئية تسهم في إصابة الدماغ بضمور بطيء يطلق عليه العلماء "عفن الدماغ"، لصان يعملان في صمت، حتى ينهض المرء ذات يومٍ ليجد ذهنه أثقل، وذاكرته أضعف، وحياته اليومية أشبه بضبابٍ لا ينقشع.
لكن بين الخطر والحل دائمًا خيط من أمل، فكما أن الضوء الأزرق هو عدو محتمل، يمكن أن يصبح صديقًا إذا ما استُخدم بوعي، ولذلك أكدت الدراسات على دوره الإيجابي للضوء الأزرق في زيادة الانتباه خلال ساعات النهار، وتحسين المزاج.
ولهذا يمكننا القول بأنها معادلة دقيقة، تحتاج إلى وعي جمعي يعيد التوازن بين الإنسان والتقنية، فالدماغ الذي وهبنا القدرة على ابتكار هذه الشاشات يستحق أن نصونه من خفاياها.