بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

مثلث الرعب فى الصين

بوابة الوفد الإلكترونية

 

الجارديان: الصورة تجسد إعادة رسم دراماتيكية لتوازن القوى العالمى

 

قاد الرئيس الصينى شى جين بينغ أكبر عرض عسكرى فى تاريخ بلاده بمناسبة الذكرى الـ٨٠ لنهاية الحرب العالمية الثانية، التى تصفها بكين بـ«حرب المقاومة ضد العدوان الياباني». الحدث الذى امتد ٧٠ دقيقة لم يكن مجرد استعراض للقوة العسكرية، بل محطة دبلوماسية بارزة اختتمت أسبوعا مزدحما بالتحركات الصينية على الساحة الدولية، بعد أيام قليلة من استضافة قمة كبرى لزعماء دول الجنوب العالمى فى تيانجين.

كان المشهد الأبرز دخول شى إلى ساحة تيانانمين برفقة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين والزعيم الكورى الشمالى كيم جونغ أون. صورة الزعماء الثلاثة وهم يتبادلون التحية على السجادة الحمراء قرأها محللون باعتبارها رسالة تحد مباشرة للغرب. وظهر إلى جانبهم عدد من قادة دول غير غربية، بينهم رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، والرئيس الإيرانى مسعود بيزاشكيان، والرئيس الإندونيسى برابو سوبيانتو، وقائد المجلس العسكرى فى ميانمار مين أونغ هلاينغ. فى المقابل، غاب قادة الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان والهند وكوريا الجنوبية عن المناسبة.

غيابات أخرى أثارت الانتباه داخل الصين، إذ لم يُشاهد الرئيس السابق «هو جين تاو» أو رئيس الوزراء الأسبق تشو رونغ جى، وكلاهما متقدمان فى السن. وكان «هو» قد ظهر آخر مرة عام 2022 حين أُقصى بشكل غير رسمى من المؤتمر العشرين للحزب الشيوعى. غياب هذه الأسماء غالبًا ما يُقرأ باعتباره مؤشرًا على تراجع النفوذ داخل هرم السلطة.

الرسالة التى أرادتها بكين لم تكن خفية. ففى خطابه الافتتاحى حذر شى من أن العالم يواجه «خيارًا بين السلام والحرب»، مؤكدًا أن الصين «لا ترهبها أبدا أى قوة متعجرفة»، فى إشارة مبطنة إلى الولايات المتحدة وحلفائها. وأضاف أن تاريخ الشعب الصينى يبرهن على قدرته الدائمة على «التوحد لمواجهة العدو».

مشاركة بوتين وكيم إلى جانب شى منحت المشهد دلالات عميقة. وين تى سونغ، الباحث فى مركز الصين العالمى التابع للمجلس الأطلسى، رأى أن الصور أظهرت أن الصين لا تخشى الاصطفاف علنا مع أصدقائها، حتى عندما يُنظر إليهم كمنبوذين فى محكمة الرأى العام الدولي.

رد الفعل الأمريكى لم يتأخر، حيث كتب الرئيس دونالد ترامب على حسابه فى «تروث سوشيال»: فى إشارة إلى الأرواح الأمريكية التى فقدت فى المحيط الهادئ خلال الحرب العالمية الثانية: «السؤال الكبير الذى يتعين الإجابة عنه هو ما إذا كان الرئيس الصينى شى جين بينغ سيذكر أم لا مقدار الدعم الهائل و«الدماء» التى قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية للصين من أجل مساعدتها فى تأمين حريتها من غازى أجنبى غير ودود للغاية»

لقد ضحى العديد من الأمريكيين بحياتهم فى سبيل الصين لتحقيق النصر والمجد. آمل أن يُكرّموا ويُخلّد ذكراهم لشجاعتهم وتضحياتهم! وتمنى للرئيس الصينى و«الشعب الصينى الرائع» «يومًا عظيمًا ودائمًا من الاحتفال». وأضاف ترامب «أرجو إبلاغ أطيب تحياتى لفلاديمير بوتن وكيم جونج أون، لأنكما تتآمران ضد الولايات المتحدة الأمريكية».

قبل العرض العسكرى، سُئل ترامب عما إذا كان قلقًا من احتمال نشوء محور بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية. أجاب الرئيس الأمريكي: «لست قلقًا على الإطلاق لدينا أقوى جيش فى العالم بلا منازع، ولن يستخدموا جيشهم ضدنا أبدًا، صدقونى، سيكون ذلك أسوأ ما قد يفعلونه على الإطلاق». وأضاف إنه لا يعتبر العرض العسكرى الصينى تحديا للولايات المتحدة.

وردا على أحد الأسئلة الأخيرة فى مؤتمر صحفى، قال ترامب: «الصين بحاجة إلينا، ولديّ علاقة جيدة جدًا مع شى... لكن الصين بحاجة إلينا أكثر بكثير مما نحتاجها».

وفى رده على ذلك، قال مساعد الكرملين يورى أوشاكوف للتلفزيون الرسمى الروسى إن تصريح ترامب «ليس خاليا من السخرية». وأضاف: «أريد أن أقول إن أحدًا لم يكن يتآمر، ولم يكن أحد ينسج شيئًا، ولم تكن هناك مؤامرات».

«وعلاوة على ذلك، أستطيع أن أقول إن الجميع يدركون الدور الذى تلعبه الولايات المتحدة والإدارة الحالية لترامب وترامب شخصيًا فى الوضع الدولى الحالى».

رأت التحليلات العسكرية أن الصين استخلصت دروسا من حرب أوكرانيا، حيث برز تركيزها على أنظمة مكافحة الطائرات المسيرة والإنذار المبكر المحمول جوا.

من جانبه أكد ينغ يو لين، أستاذ الدراسات الاستراتيجية بجامعة تامكانغ التايوانية إن هذا يعكس الدروس المستفادة من «الاستخدام الكثيف للطائرات بدون طيار فى الحرب الروسية - الأوكرانية». فى المقابل، حذرت الباحثة جينيفر باركر من «الخلط بين القدرات الفعلية وبين البروباجندا العسكرية الصينية»، لكنها أكدت أن جيش التحرير الشعبى «جيش كفء للغاية، ولا ينبغى الاستهانة بقدراته».

وعلى هامش اللقاء، قال بوتين لـ كيم إن القوات الكورية الشمالية قاتلت «بشجاعة وبطولة» إلى جانب القوات الروسية فى أوكرانيا، حسبما ذكرت وسائل إعلام رسمية فى موسكو. وشكر الزعيم الروسى نظيره الكورى الشمالى على المساعدة فى «تحرير منطقة كورسك»، التى زعم الكرملين أنه استعادها فى أبريل، وهو ما نفته أوكرانيا وقال بوتين فى بكين إن البلدين يقاتلان «معا ضد النازية الحديثة».

وفى رده، قال كيم إنه مستعد لمساعدة روسيا قدر الإمكان، وأن ذلك من واجبه كـ«أخ».

وفى السياق وصفت صحيفة «الجارديان» البريطانية المشهد بأنه كان سيعتبر «مجرد فوتوشوب ساخر لو نُشر قبل سنوات قليلة»، لكن التحولات الجيوسياسية منذ غزو روسيا لأوكرانيا وعودة ترامب إلى البيت الأبيض جعلت لقاء شى وبوتين وكيم حقيقة واقعة. الصحيفة رأت أن الصورة تجسد «إعادة رسم دراماتيكية لتوازن القوى العالمي».

أما كوريا الشمالية فقد شهد اقتصادها نموًا سريعًا عام 2024 بفضل بيع الصواريخ والذخائر لروسيا، لكنه نمو هشّ يرتبط مباشرة بالصراع الدائر فى أوروبا.

المحللون يرون أن بكين رغم شراكتها المعلنة «بلا حدود» مع موسكو، تبقى منزعجة من استمرار الحرب فى أوكرانيا ودعم كوريا الشمالية المباشر لها. ولذلك يحاول شى تحقيق توازن دقيق بين التحالف مع بوتين وكيم وتفادى عقوبات جديدة من الغرب.