بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

خارج المقصورة

الشيخ.. توقيع خاص

أتذكر جيدًا أننى سألت قبل سنوات أحد رؤساء هيئة الرقابة المالية.. لماذا لا يتولى قيادة المنظومة شخص من داخلها، من أبناء البورصة أو الهيئة أنفسهم؟.. فجاءت إجابته حاسمة: العاملون هنا «شطار» و«صنايعية»، لكن الإدارة شيء آخر... لها قواعد ومعايير مختلفة تمامًا.

ظلت تلك الكلمات عالقة فى ذهنى، أشبه بقاعدة غير قابلة للكسر، حتى جاء أحمد الشيخ- رئيس البورصة السابق-ليقلب المعادلة رأسًا على عقب، ويعيد الاعتبار لأبناء المؤسسة، مثبتًا أن من نشأ فى المكان وأخلص له قادر على قيادته بأعلى درجات الكفاءة.

صنع الشيخ مسيرة استثنائية أينما حلّ ترك بصمته بوضوح، سواء حينما كان نائبًا لرئيس البورصة، أو فى موقعه بالرقابة المالية، أو حين عاد مجددًا إلى بيته رئيسًا للبورصة.. وما كان ذلك غريبًا، فالرجل تنقل بين مختلف الإدارات، واكتسب خبرات متراكمة صقلت شخصيته القيادية، ومنحته أدوات الرؤية والقرار.

لكن النجاح لا يكتمل إلا حين يجد من يؤمن به، وهنا جاء دور الدكتور محمد فريد، الذى آمن بقدرة الشيخ منذ أن كان رئيسًا للبورصة، ثم كرئيس للرقابة المالية، ففتح له الطريق، وأعاد صياغة الصورة الذهنية القديمة، وأطاح بتلك النظرية البالية أن أبناء المكان لا يصلحون لقيادته.

هكذا تحولت القاعدة التى ظلت لسنوات راسخة فى العقول، إلى درس جديد فى الإدارة والقيادة: أن الكفاءة لا تُستورد بالضرورة من الخارج، بل كثيرًا ما تنبت جذورها فى الداخل، بين أبناء البيت الواحد.

المهم أن كل فصل من فصول قصة «الشيخ» يكاد يكون درسًا قائمًا بذاته فى الإرادة والعزيمة. فمنذ أن وطأت قدماه عتبة البورصة قبل أكثر من ثلاثين عامًا، اختار أن يرسم خطاه بالجد والاجتهاد، وبالاحترام الذى كسب به قلوب الجميع. لم يكن مجرد موظف يؤدى مهامه، بل كان روحًا تعيش التفاصيل، وتتفانى فى إتقان كل ما توكل إليها من مسئوليات، حتى غدت بصماته واضحة فى كل إدارة عمل بها، كأنها توقيع خاص لا يمحوه الزمن.

نجح «الشيخ « فى أن يحول استراتيجيته ذات المحاور السبعة من مجرد خطة مكتوبة إلى واقع ملموس. ففى كل محور، كان يضع بصمته الخاصة، يسطر نجاحًا جديدًا، ويجتهد فى فتح آفاق للتطوير، فعمل على تنويع وتحديث الأدوات المالية، وأطلق مبادرات لنشر الثقافة المالية بين شرائح المجتمع المختلفة، ليجعل من سوق الأسهم بيئة أكثر حيوية وجاذبية، لا للمستثمرين فقط بل للاقتصاد بأكمله.. لقد كان يدرك أن قوة السوق لا تكمن فى التداولات والأرقام وحدها، بل فى وعى المتعاملين، وثقة الشركاء، وتكامل المنظومة من القاعدة حتى القمة.

< ياسادة.. آخر كلماته على منصات التواصل الاجتماعى بمثابة توقيع شخصى، ووصية تختصر رحلة عمله «احتسب أنى أديت الأمانة واجتهدت قدر طاقتي».