«لفت نظر»
ما فعله المركزى فى الفائدة
فى خطوة كانت منتظرة لكنها أكثر حدة مما توقعه كثيرون، أقدم البنك المركزى المصرى على خفض سعر الفائدة بنسبة 2% دفعة واحدة. هذا القرار يمثل تحولا واضحا فى سياسة النقد المصرى التى كانت طوال الفترة الماضية تسير على حبل مشدود بين كبح التضخم والحفاظ على الاستقرار المالى من جهة، وتحفيز الاقتصاد والاستثمار من جهة أخرى.
لكن السؤال الأهم الآن: هل نحن بصدد بداية انتعاشة اقتصادية فعلية، أم أن الخفض جاء متأخرا وفى سياق محفوف بالتحديات؟
يأتى الخفض بعد تراجع التضخم إلى مستويات مقبولة نسبيا (13.9%)، وبعد ارتفاع معدل النمو إلى 5.4% فى الربع الثانى، وهى مؤشرات إيجابية. لكن لا يمكن إغفال أن التضخم لا يزال عنيدا فى بعض السلع والخدمات، وأن القوة الشرائية للمواطن ما زالت تحت الضغط.
وفى ظل تلك المعطيات، يمكن قراءة القرار كـ«مقامرة محسوبة» تهدف إلى تحريك المياه الراكدة فى الاستثمار المحلى، وفتح النوافذ المغلقة أمام القطاع الخاص، الذى ظل محاصرا لسنوات بتكلفة تمويل خانقة.
منذ سنوات، تتحدث الحكومة عن تمكين القطاع الخاص، وخفض الفائدة هو أداة جوهرية فى هذا التمكين. إذ لا يعقل أن تطلب من المستثمر أن يغامر برأس ماله فى ظل فائدة بنكية تلامس 25% على الإقراض، وشهادات ادخار تضمن له أرباحا خالية من المخاطر.
الآن، ومع خفض الفائدة، يمكن القول إن البنك المركزى يرسل رسالة طمأنة للمستثمرين «لقد بدأنا فى فتح الطريق لكم».
خفض الفائدة بلا شك يُقلل أعباء خدمة الدين العام، ويفتح شهية الحكومة للاقتراض بتكلفة أقل، وهو أمر مرحب به فى ظل اتساع عجز الموازنة، لكنه فى الوقت نفسه قد يشعل مخاوف من تراجع جاذبية أدوات الدين أمام المستثمر الأجنبى، خاصة إذا لم يعوض هذا التراجع بزيادة فى النمو الحقيقى والاستقرار المالى.
أيضا، خفض الفائدة لن يكون سحرا سريعا ينعكس على الأسعار فى اليوم التالى. فلا تزال كلفة الإنتاج والنقل والضرائب تحديات ثقيلة، ولن يشعر المواطن بثمار القرار إلا إذا اقترنت بخطوات أخرى: إصلاح هيكلى حقيقى، وضبط السوق، ودعم المشاريع الصغيرة.
البورصة هى المستفيد الأسرع، وهذا أمر بديهى، لكن الأهم هو أن تستقر تلك الاستفادة وتتوسع. السوق المصرية بحاجة لسيولة حقيقية، لا مجرد مضاربات موسمية. وخفض الفائدة خطوة جيدة، لكنه يحتاج إلى تعزيز الثقة العامة، وشفافية أكبر، وتشجيع الإدراجات الجديدة، خاصة من شركات ناجحة حقيقية، لا كيانات ورقية.
ما فعله البنك المركزى ليس مجرد خفض تقنى فى سعر الفائدة، بل هو إعلان نوايا اقتصادى. نوايا تشير إلى أننا نطوى صفحة التشدد النقدى، وندخل مرحلة محفوفة بالأمل والمخاطر معًا.
الكرة الآن فى ملعب الحكومة والقطاع الخاص. إما أن يُحولوا هذه الخطوة إلى انطلاقة استثمارية تعيد الروح للاقتصاد، أو أن يتعاملوا معها كما تعاملوا مع قرارات كثيرة سابقة... بردود فعل فاترة تُعيدنا لنقطة الصفر.
وفى النهاية، علينا أن نتذكر: خفض الفائدة لا يُنقذ الاقتصاد بمفرده، لكنه قد يعجل بنهضته إذا واكبه إصلاح حقيقى وشجاعة فى التنفيذ.