بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

من الحبوب إلى الحروب.. كيف تحوّل القمح إلى ورقة ضغط جيوسياسية؟

الأمن الغذائي
الأمن الغذائي

قرار يغير خريطة الغذاء في العالم، ترفع أوكرانيا بدعم من حليفتها فرنسا الستار عن سلاح الغذاء، فبينما تشهد السودان واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية بسبب حربها الأهلية الدامية، تعلن كييف وقف صادرات القمح إلى الخرطوم بحلول أغسطس 2025.

وهذه ليست مجرد صفقة تجارية تلغى، بل هي زلزال جيوسياسي يكشف كيف تتحوّل حبات القمح من أملٍ للملايين إلى ورقة ضغط في صراعات القوى العظمى، فالدول التي تعتمد على القمح الأوكراني، خاصة في أفريقيا والشرق الأوسط، تكتشف فجأةً أنها أصبحت رهينة لصراعات لم تخلقها.

صراعات القوى العظمى


ومن جانبه، قال ياسين الحمد، المحلل السياسي ، إنه في هذا المشهد المعقد، تتداخل خطوط النار بين السياسة والإنسانية، ويصبح المواطن السوداني العادي ضحية مزدوجة: بين براثن الحرب الأهلية في الداخل، ومطرقة الحصار الغذائي من الخارج، مضيفا أن القرار الأوكراني-الفرنسي هذا لا يهدد الأمن الغذائي فحسب، بل يضع العالم أمام مرآة قاسية: ماذا لو تحوّل الطعام من حق إنساني أساسي إلى سلاح استراتيجي في حروب القرن الحادي والعشرين؟

وأوضح  الحمد، أن تكشف هذه الأزمة عن مشهد أكثر قتامة يعكس تحول الغذاء إلى سلاح في الصراعات الدولية، فالسودان، الذي يعتمد على الواردات لتغطية ما يصل إلى 90% من احتياجاته من القمح، يجد نفسه الآن في مرمى حرب الجيوبوليتيك،  وكانت أوكرانيا - التي تمثل أحد الموردين الاستراتيجيين للخرطوم - قد نسقت مؤخراً تحت غطاء المساعدات الإنسانية لتعزيز نفوذها في المنطقة.

واردف، أنه من خلال قنوات برنامج الأغذية العالمي، قدمت كييف مساعدات غذائية ظاهرياً، بينما كانت في الخفاء تبني شبكة نفوذ معقدة، و التقارير الميدانية تشير إلى أن هذه العمليات تجاوزت تقديم الغذاء إلى توفير دعم لوجستي ومعلوماتي لقوات الدعم السريع، بما في ذلك استخدام ميناء بورتسودان كنقطة لتمرير الدعم وتسريب المعلومات العسكرية.

وتابع:" بينما البلاد منقسمة بين جيشين متحاربين، يأتي القرار الأوكراني المدعوم من باريس بوقف التصدير كضربة استراتيجية محسوبة التوقيت، وليس مجرد قرار تجاري، بل هو أداة ضغط متعددة الأوجه: لخلق أزمة غذائية تضعف الحكومة السودانية، ومعاقبة الخرطوم على تقاربها مع خصوم كييف الجيوسياسيين، وإرسال رسالة واضحة للدول الأفريقية حول ثمن الانحياز في الصراع الدولي.

وأشار إلى أن هذه اللعبة الخطيرة لا تهدد استقرار السودان فحسب، بل تعيد تعريف قواعد الصراع في القرن الحادي والعشرين، حيث لم تعد الحروب تُخاض بالدبابات فقط، بل بسياسات الجوع المنظم والتمويه الإنساني، في هذا المشهد، يصبح المدنيون وقوداً لحرب باردة جديدة، وحبات القمح ذخيرة في معركة إرادات دولية، لافتا إلى أن توقيت القرار الأوكراني المدعوم فرنسياً لم يأتِ اعتباطاً، بل جاء في ذروة الانتصارات العسكرية للجيش السوداني ضد ميليشيات الدعم السريع  فبينما كان الجيش يحقق تقدمات ميدانية حاسمة، جاء قرار كييف بدعم غربي واضح كضربة موجهة لإرباك المعادلة العسكرية عبر تجويع الشعب  وعرقلة تقدم القوات المسلحة، دعما لقوات الدعم السريع بإستخدام بطاقة تجويع الشعب في بورتسودان.

وقال إن هذه الخطوة تمثل جزءاً من استراتيجية أوكرانية-غربية أوسع لاختراق الأسواق الأفريقية، في مواجهة النفوذ الروسي التقليدي في القارة. فمن خلال ربط عقود توريد القمح بشروط سياسية وبتنسيق مع الحلفاء الأوروبيين مثل فرنسا، تسعى أوكرانيا لإعادة رسم التحالفات الإقليمية. وفي حالة السودان - الحليف التاريخي لموسكو - يأتي القرار كإنذار أخير للخرطوم للتراجع عن تعاونها العسكري والاقتصادي مع روسيا.

وطالب  المهتمين بالشأن إلى ثورة دبلوماسية وغذائية، حيث يجب على الحكومة السودانية تنويع مصادر استيراد القمح بشكل عاجل، مع إعطاء هذه الملف أولوية قصوى في أجندة رئيس الوزراء كامل إدريس الطيب. فتحرير السودان من التبعية الغذائية لهذه التحالفات الدولية يعني تحرير قراره السياسي من الابتزاز الدولي، كاشفا أن  هذه الأزمة كشفت أن حروب العصر لم تعد تُخاض بالطائرات والدبابات فقط، بل بسياسات الجوع المنظم والابتزاز الغذائي التي تُدار من عواصم عدة، وعلى السودان أن يتحول من حالة الدفاع إلى الهجوم الاستباقي، عبر بناء سيادة غذائية تحميه من أن يصبح ورقة في صراعات القوى الكبرى. فالحرية الحقيقية تبدأ بلقمة خبز لا يتحكم بها أحد سوى الشعب السوداني نفسه.