بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

خارج السطر

محاكمة مستمرة لجمال عبد الناصر

عاتبنى الصديق العزيز، الكاتب الصحفى المحترم محمد سعد عبد الحفيظ على تكريس جُل وقتى، وتركيز معظم ما أدوّنه لنسف جمال عبد الناصر اسمًا وقيمة وفكرًا وتاريخًا. فهو فى رأى الزميل شخصية وطنية فذة لها كثير من الجوانب الإيجابية. وفى تصوره، فإن الموضوعية تستلزم الاعتراف للرجل بمنجزاته الاجتماعية التى نهلت أجيال من خيرها مثل مجانية التعليم الجامعى، وتوظيف الخريجين، فضلا عن إقامة صروح الصناعة، وبناء سد عال لتأمين مصر مائيا، وتأميم قناة السويس.

والحقيقة تقتضى أن أوافق الزميل المحترم فى عتابه، وأتفق معه فى لومه، فأنا بالفعل مُستفز ومُستنفر ومتحفز ومدفوع ومُوجه ومُكلف بتفتيت جمال عبد الناصر شكلا وموضوعًا، رغم أنى لست من ضحاياه، ولم أشهد عهده، كما لم تؤمم ثروات عائلتى فى ظل حكمه، ولم يتعرض أحد من أهلى لبطش أجهزته. على العكس من ذلك، شب والدى فى زمن المد الناصرى، تعلق بأحلامه، وتعلّم، وعمل، وارتقى فى كنف عهده.

لكن نداهة التفكر، وإدمان البحث، وإلحاح التدبر وضعونى فى مواجهة دائمة شاملة مع ناصر وما حلم، وما فعل، وما قرر، وما ترك، لأجد بهدوء ودون مبالغة أن كافة ما نُعانيه اليوم وأمس وربما غدا من مشكلات، كان جمال عبد الناصر هو المؤسس لها. 

بذر عبد الناصر البذور الأولى للأشجار الصلبة للديكتاتورية الأبوية والفردية والشمولية والمركزية، ونمت وترعرعت واتسعت لتُنتج لنا سيلا من الهزائم والإخفاقات والأزمات ما يدفع كل جيل إلى الظن أنه لا أمل، ولا تقدم، ولا بلد جديدًا. 

بعد وفاة جمال عبد الناصر، تصور كل حاكم إمكانية الإصلاح والتحديث، رافعين شعارات ثورة تصحيح أو وطن آخر أو جمهورية جديدة، ثُم فوجئوا بعد محاولات ومحاولات أن أشجار الجمهورية الأولى صلبة ومُمتدة وعميقة الجذور، ولا يُمكن إزاحتها لغرس أشجار جديدة. ورويدا خبتت الآمال، وانزوت الأحلام الكبرى، وصار الهدف الوحيد الواقعى هو تسيير الأمور. 

من هنا، ولد غضبى على ناصر. فهو غضب من أزمات آنية، وهموم ومشكلات ُمعاصرة. 

فما أوجاع البشر السائرين حولنا فى الشوارع والأزقة سوى نتاج طبيعى لفعل مؤسس الجمهورية الأولى. 

شوه الرجل شخصية المصرى، كبت لديه روح الاختلاف، وأمم داخله العقل النقدى. ربى فى داخله الخوف، وفتح الباب للتملق، والوشايات فجعل لكل رقيب رقباء، وأذل أبرياء سجنا وعسفا وقهرا ليُعلّم الناس مصائر مَن يُفكر غير فكره أو يرى خلاف رؤاه. مارست المؤسسات المولودة فى ظل دولة عبد الناصر قهرا نموذجيا صار تقليده فى كل عهد هو الطبيعى، والإقلاع عنه هو الاستثناء. 

خطيئة عبد الناصر أنه الأول والمؤسس والذى ينبغى لكل لاحق تقليده. صحيح أن له حسنات، لكن لا ثقل لها أمام الحرية والتعددية واحترام حقوق الإنسان.

 كتب الدكتور مصطفى محمود يوما «إن جمال عبد الناصر بنى السد العالى، لكنه هدم الإنسان المصري». وكتب الدكتور حسين مؤنس «إن عبد الناصر أزاح باشاوات مصر الذين حكموها مئة وخمسين عامًا وقد امتلكوا المال والجاه والنفوذ وأتى بسوبر باشاوات بلا شرف ولا إنسانية، وكان يذل الناس لأنه لا يطيق أن يكون هناك شخص آخر فى مصر مرفوع الرأس إلى جانبه».

لذا ردًا على عتاب صديقى محمد سعد عبد الحفيظ أقول له بالفعل: أنا مكلف من ضميرى بتصفية الحساب مع ذلك الذى رسم مسار الديكتاتورية الأولى، فكل ديكتاتورية تالية هى نتاج طبيعى لجمال عبد الناصر.

والله أعلم

[email protected]