بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

الزعيم سعد زغلول .. مسيرة قائد أمة نحو الاستقلال والنهضة

بوابة الوفد الإلكترونية

يعد الزعيم سعد زغلول باشا (1858-1927) شخصية محورية في تاريخ مصر الحديث، حيث يمثل رمزاً للنضال الوطني وقائداً لثورة 1919 المجيدة.
تجاوزت مكانته كونه مجرد سياسي، ليصبح تجسيداً للإرادة الشعبية المصرية في سعيها نحو الحرية والكرامة والاستقلال. لقب بـ "زعيم الأمة"، وأصبح منزله يعرف بـ "بيت الأمة" ، بينما نالت زوجته صفية زغلول لقب "أم المصريين" ، مما يعكس عمق الارتباط الشعبي به وبقضيته.
جاءت قيادة سعد زغلول في فترة حرجة من تاريخ مصر، شهدت تزايداً ملحوظاً في النفوذ البريطاني بعد احتلال البلاد عام 1882. تفاقمت الأوضاع الاقتصادية والسياسية خلال هذه الحقبة، خاصة مع اندلاع الحرب العالمية الأولى وتداعياتها على المجتمع المصري، مما أثار مشاعر السخط الوطني وعزز الرغبة العارمة في التخلص من الحماية البريطانية ونيل الاستقلال التام. هذه الظروف هيأت المناخ لظهور حركات وطنية سابقة، قادها شخصيات بارزة مثل مصطفى كامل ومحمد فريد ، الذين أسسوا للحراك الشعبي ومهدوا الطريق لثورة شعبية واسعة النطاق، وهو ما سيستكمله سعد زغلول ويقوده إلى ذروته.
النشأة والتكوين الجذور الفكرية والتعليمية

تقدم نشأة سعد زغلول وتكوينه الفكري والتعليمي مفتاحاً لفهم مسيرته القيادية وتأثيره العميق. ولد سعد باشا زغلول في يوليو عام 1858م ، في قرية إبيانة التابعة لمركز فوه بمحافظة كفر الشيخ، والتي كانت آنذاك جزءاً من مديرية الغربية تشير بعض المصادر إلى أن تاريخ ميلاده كان عام 1859م. نشأ سعد يتيماً ، حيث توفي والده الشيخ إبراهيم زغلول الذي كان شيخ مشايخ القرية، قبل أن يتجاوز سعد الخامسة من عمره.
تولت والدته السيدة مريم بنت الشيخ عبده بركات، وهي من كبار الملاك، رعايته، وكفله أيضاً خاله عبد الله بركات وشقيقه. هذه النشأة المبكرة، التي افتقد فيها سند الأب، يعتقد أنها ساهمت في صقل شخصيته وتعزيز اعتماده على الذات وطموحه في سن مبكرة. هذا التحدي المبكر في حياته دفعه نحو المثابرة وتطوير قدراته القيادية، وهو ما تجلى بوضوحفي مسيرته من طالب في الكتاب إلى زعيم للأمة.
تلقى سعد زغلول تعليمه الأولي في "الكتاب" بالقرية، حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن. ثم انتقل إلى دسوق لتجويد القرآن، قبل أن يلتحق بالجامع الدسوقي عام 1870م ، ومن ثم بالأزهر الشريف عام 1873م، حيث تلقى علوم الدين على يد كبار شيوخ عصره. كان لتتلمذه على يد المفكر الإسلامي السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده أثر بالغ في تكوينه الفكري، حيث علماه حرية التفكير والبحث، وفتحا آفاقه على قضايا الإصلاح والتجديد.
لم يستكمل سعد زغلول دراسته في الأزهر بشكل كامل ، بل اتجه نحو مسار مهني آخر. عمل محرراً في جريدة "الوقائع المصرية" بين عامي 1880 و 1882م، حيث كان يقوم بنقد وتلخيص أحكام المجالس الملغاة

والتعقيب عليها . هذه التجربة المبكرة في الصحافة القانونية فتحت أمامه أبواب الدفاع القانوني والدراسة القانونية. انتقل بعدها للعمل كمعاون بنظارة الداخلية، ثم ناظر قلم الدعاوى بمديرية الجيزة. هذه الوظائف الحكومية والقضائية منحته فهماً عميقاً لآليات الدولة والقانون وأكسبته خبرة إدارية وسياسية قيمة.
تأثر سعد زغلول بهذا التكوين المزدوج فأساسه الديني الأزهري على يد الأفغاني ومحمد عبده زوده بفهم عميق للهوية المصرية الإسلامية وغرس فيه مبادئ الإصلاح والتفكير الحر، مما مكنه من التواصل الفعال مع مختلف شرائح المجتمع المصري بالتوازي، فإن دراسته للقانون وإتقانه للغة الفرنسية عام 1892م ، وحصوله على ليسانس الحقوق من جامعة باريس عام 1897م ، فتحت له آفاقاً على الفكر الغربي والأنظمة القانونية الحديثة. هذا المزيج الفريد من التعليم الديني والمدني منحه قدرة استثنائية على الجمع بين الأصالة والمعاصرة، وجعله زعيماً قادراً على مخاطبة النخبة المثقفة والعامة على حد سواء، وتقديم القضية المصرية في المحافل الدولية بلغة يفهمها الغرب، مع الحفاظ على جذورها الوطنية والإسلامية. هذا التكوين المتنوع عزز من شرعيته وقبوله لدى قطاعات واسعة من الشعب المصري.
في عام 1895م ، تزوج سعد زغلول من صفية زغلول، ابنة مصطفى فهمي باشا ، الذي كان أحد رؤساء وزراء مصر السابقين. هذا الزواج لم يكن مجرد رابط عائلي، بل كان له أبعاد سياسية واجتماعية هامة، حيث أصبحت صفية زغلول لاحقاً تلقب بـ "أم المصريين" ، وهو ما يعكس دورها البارز في دعم زوجها وقضية الوطن.

المسيرة السياسية والمناصب الحكومية من القضاء إلى قيادة الأمة شهدت مسيرة سعد زغلول المهنية والسياسية تدرجاً ملحوظاً، بدأ من العمل الحكومي والقضائي، مروراً بالمشاركة في الثورات، وصولاً إلى قيادة الحركة الوطنية وتولي أرفع المناصب في الدولة المصرية.
بداياته في "الوقائع المصرية" والعمل القضائي
بعد عمله في "الوقائع المصرية" كناقد ومحلل للأحكام القضائية ، انتقلت مسيرة سعد زغلول إلى المجال القضائي. عين نائباً لقاض بمحكمة الاستئناف الأهلية عام 1892م ، ثم رقي إلى منصب قاض في العام التالي ثم مستشاراً. كان سعد زغلول أول محام يدخل الهيئة القضائية، مما يعكس كفاءته وتميزه في مهنة المحاماة التي عمل بها ورفع من شأنها في ذلك الحين. كما ساهم بفعالية في إنشاء نقابة المحامين وأنشأ قانون المحاماة رقم 26 لسنة 1912 ، مما يدل على رؤيته الإصلاحية في المجال القانوني. هذا التدرج الوظيفي لم يكن مجرد صعود في السلم الإداري، بل كان بمثابة "تدريب مكثف على إدارة الشأن العام وفهم آلياته، مما أهله لاحقاً لتولي قيادة الحركة الوطنية.
المشاركة في الثورة العرابية وتأثيرها على مساره
شكلت مشاركة سعد زغلول في الثورة العرابية نقطة تحول مبكرة في حياته السياسية. فقد حرر مقالات تحث على الثورة وتدعو للتصدي لسلطة الخديوي توفيق التي كانت منحازة إلى الإنجليز. نتيجة لهذه المشاركة فقد وظيفته وسجن بضعة أشهر بتهمة الاشتراك في جمعية سرية. هذه التجربة المبكرة، على الرغم من قسوتها ، لم تكن نهاية مسيرته، بل

صقلت وعيه السياسي وزادت من إدراكه لضرورة مقاومة الاستعمار رسخت هذه التجربة لديه مبادئ النضال الوطني، وجعلته يدرك طبيعة الصراع مع الاحتلال، مما دفعه لاحقاً إلى الانخراط بشكل أعمق في العمل السياسي الوطني بدلاً من الاكتفاء بالمسار الوظيفي التقليدي.
المناصب الوزارية ودوره الإصلاحي
تولى سعد زغلول عدة مناصب وزارية مهمة، أظهر خلالها رؤيته الإصلاحية والوطنية
ناظر المعارف العمومية ( وزير التربية والتعليم عين في هذا المنصب في 28 أكتوبر 1906م واستمر حتى 21 فبراير 1910م. أحدث في هذا المنصب نهضة تعليمية كبيرة، وكان من أبرز إنجازاته جعل اللغة العربية لغة التعليم بدلاً من اللغة الإنجليزية، مما يعكس حرصه على تعزيز الهوية الوطنية. كما أنشأ مدرسة القضاء الشرعي عام 1907م ، وزاد من عدد الإرساليات المصرية للخارج، وافتتح الجامعة المصرية الأهلية عام 1908م ، وساهم في تأسيس النادي الأهلي عام 1907م وتولى رئاسته في 18 يوليو من نفس العام. هذه الإنجازات تبرز قدرته على الإصلاح الجذري حتى وهو في مناصب حكومية تحت الاحتلال، مما أثار إعجاب البعض وانتقاد آخرين، خاصة مصطفى كامل الذي وجه له انتقادات حول موقفه من التعليم باللغة العربية.
ناظر الحقانية ( وزير العدل: عين في هذا المنصب في 23 فبراير 1910م واستمر حتى 1 أبريل 1912م. استقال من منصبه كوزير للعدل عام 1912م بعد خلاف مع الخديوي عباس حلمي الثاني.

دوره في الجمعية التشريعية وتأسيس حزب الوفد
بعد المناصب الوزارية، أصبح سعد زغلول نائباً عن دائرتين من دوائر القاهرة، وفاز بمنصب الوكيل المنتخب للجمعية التشريعية. تزعم المعارضة في الجمعية التشريعية بعد الحرب العالمية الأولى عام 1918م ، والتي شكلت نواة "جماعة "الوفد" لاحقاً. في عام 1918م ، تبلورت لديه فكرة تأليف الوفد المصري للدفاع عن القضية المصرية ضد الاحتلال الإنجليزي. ضم الوفد شخصيات وطنية بارزة مثل عبد العزيز فهمي وعلي شعراوي، إلى جانب سعد زغلول. هذا التحول من العمل المؤسسي النخبوي إلى التعبئة الشعبية الواسعة، عبر جمع التوكيلات من الشعب، يعكس فهماً عميقاً لطبيعة السلطة والشرعية في مواجهة الاحتلال. فبدلاً من الاعتماد على التفاوض من موقع ضعف حكومي ، سعى سعد زغلول إلى استمداد شرعيته من الشعب مباشرة، مما منح الوفد قوة تفاوضية غير مسبوقة وجعله ممثلاً حقيقياً للأمة.
توليه رئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النواب
بلغت مسيرة سعد زغلول السياسية ذروتها بتوليه رئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النواب. فبعد فوز حزب الوفد الساحق بنسبة 90% من مقاعد البرلمان في انتخابات عام 1924م، أصبح سعد زغلول رئيساً للوزراء في 28 يناير 1924م ، وشكل أول وزارة شعبية في تاريخ مصر. شغل أيضاً منصب وزير الداخلية في وزارته. بعد استقالته من رئاسة الوزراء، تولى رئاسة مجلس النواب من 10 يونيو 1926م حتى وفاته في 22 أغسطس 1927م.
المناصب السياسية والحكومية الرئيسية لسعد زغلول

| محرر بجريدة الوقائع المصرية | 1880 - 1882م | ناقد ومحلل للأحكام القضائية |
- | معاون بنظارة الداخلية | غير محدد | بداية الانفتاح على الدراسة القانونية والسياسية |
- | نائب قاض بمحكمة الاستئناف الأهلية | 1892م | أول محام يدخل الهيئة القضائية |
- | قاض ثم مستشار بمحكمة الاستئناف | 1893م وما بعدها | ساهم في
إنشاء نقابة المحامين وقانون المحاماة (1912م) |
- | ناظر المعارف العمومية | 28 أكتوبر 1906 - 21 فبراير 1910م | جعل
العربية لغة التعليم ، أنشأ مدرسة القضاء الشرعي، ساهم في تأسيس الجامعة المصرية ورأس النادي الأهلي |
- | ناظر الحقانية ( وزير العدل) | 23 فبراير 1910 - 1 أبريل 1912م |
استقال بعد خلاف مع الخديوي عباس حلمي الثاني |
| وكيل منتخب للجمعية التشريعية | 1913م | تزعم المعارضة وشكل نواة "جماعة "الوفد" |
| رئيس وزراء مصر | 28 يناير 1924 - 24 نوفمبر 1924م | شكل أول وزارة شعبية، وشغل منصب وزير الداخلية بها |
- | رئيس مجلس النواب | 10 يونيو 1926 - 22 أغسطس 1927م | آخر منصب شغله قبل وفاته |

. ثورة 1919: شرارة التحرير وقيادة الجماهير
تعد ثورة 1919 نقطة تحول مفصلية في تاريخ مصر الحديث، وكان سعد زغلول قائدها الأبرز ومحركها الأول. اندلعت الثورة نتيجة لتراكمات طويلة من السخط الشعبي ضد الاحتلال البريطاني وسياساته.
أسباب الثورة
تعددت الأسباب التي أدت إلى اندلاع ثورة 1919، ومن أبرزها:
فرض الحماية البريطانية في 18 ديسمبر 1914م ، أعلنت إنجلترا فرض الحماية على مصر وإنهاء تبعيتها للدولة العثمانية، مما أثار غضب
المصريين الذين طالبوا بالاستقلال والغاء هذه الحماية.
تدهور الأوضاع الاقتصادية تأثرت الأوضاع الاقتصادية في البلاد بشدة خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918م) ، حيث حدث نقص حاد في السلع الأساسية وارتفاع كبير في أسعارها ، مما أدى إلى موجة غلاء شديدة وزيادة نسبة التضخم.
مبادئ ويلسون: أعلن الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون في 8 يناير 1918م مبادئه التي نصت على حق الشعوب في تقرير مصيرها ، مما رفع سقف تطلعات الأمة المصرية نحو الاستقلال التام.
تشكيل الوفد وجمع التوكيلات

في عام 1918م، خطرت لسعد زغلول فكرة تأليف الوفد المصري للدفاع عن القضية المصرية ضد الاحتلال. في 13 نوفمبر 1918م ، التقى سعد زغلول، وعلي شعراوي، وعبد العزيز فهمي بالمندوب السامي البريطاني الجنرال ريجنالد وينجيت، وأعربوا عن رغبتهم في السفر إلى لندن لعرض مطالب مصر بالاستقلال. لكن طلبهم قوبل بالرفض، فقرر القادة السياسيون تأسيس "الوفد المصري" برئاسة سعد زغلول، مستندين إلى حملة شعبية لجمع التوكيلات التي تمنح الوفد شرعية تمثيل المصريين دولياً في المفاوضات. هذا الإجراء كان بمثابة تحول استراتيجي، حيث سعى سعد زغلول إلى استمداد شرعيته من الشعب مباشرة، مما منح الوفد قوة تفاوضية غير مسبوقة وجعله ممثلاً حقيقياً للأمة في مواجهة الاحتلال.
اندلاع الثورة ونفي سعد زغلول
في 8 مارس 1919م، قامت السلطات البريطانية بالقبض على سعد زغلول وثلاثة من أعضاء الوفد هم محمد محمود ، وحمد الباسل، وإسماعيل صدقي، وتم نفيهم إلى جزيرة مالطة. هذا الاعتقال كان الشرارة التي أشعلت الغضب الشعبي، ففي اليوم التالي، 9 مارس، انفجرت الثورة. اندلعت التظاهرات والإضرابات في المدن والقرى، وقطعت خطوط السكك الحديدية والطرق، وواجه المتظاهرون قمعاً دموياً أدى إلى سقوط العديد من الشهداء والمصابين. شاركت مختلف الفئات في الثورة، بما في ذلك الموظفون، والمحامون، وطلاب الأزهر والمعاهد العليا ، والنساء بقيادة صفية زغلول. هذا التلاحم الشعبي أدى إلى شلل تام في أجهزة الدولة.
التصعيد والاستجابة البريطانية

تصاعدت الثورة مع تزايد القمع البريطاني، مما اضطر لندن إلى استدعاء الجنرال وينجيت واستبداله باللورد اللنبي، الذي قرر الإفراج عن سعد زغلول ورفاقه بعد شهر واحد من النفي سمحت لهم السلطات بعد ذلك بالسفر إلى فرنسا لعرض مطالب مصر في مؤتمر الصلح. ومع ذلك، اعترفت الأطراف المسيطرة في المؤتمر، وعلى رأسها الولايات المتحدة ممثلة في الرئيس ويلسون، بالحماية البريطانية على مصر، مما كان بمثابة ضربة كبرى لنهج التفاوض
حاولت بريطانيا الالتفاف على المطالب الوطنية بإرسال لجنة برئاسة اللورد ميلنر للتحقيق في أسباب الثورة، إلا أن اللجنة قوبلت بمقاطعة شعبية كاملة، مما أدى إلى فشلها . في صيف 1921م ، تولى عدلي يكن باشا رئاسة الوزراء وقاد مفاوضات مع اللورد كيرزن وزير الخارجية البريطانية، لكنها لم تثمر عن نتائج مرضية دفعت هذه التطورات بريطانيا إلى نفي سعد زغلول مجدداً إلى جزر سيشل في المحيط الهندي .عام 1921م
إعلان استقلال 28 فبراير وتشكيل وزارة الشعب
في 28 فبراير 1922م ، أصدرت بريطانيا تصريحاً أعلنت فيه استقلال مصر لكنه كان استقلالاً صورياً، حيث احتفظت بريطانيا بعدة تحفظات تضمن استمرار نفوذها العسكري والسياسي. وصف سعد زغلول هذا الاستقلال بـ الاستقلال المنقوص . ومع ذلك، أدت هذه التطورات إلى إجراء أول انتخابات نيابية في البلاد، واكتسحها حزب الوفد بقيادة سعد زغلول بنسبة 90% من مقاعد البرلمان في 28 يناير 1924م ، شكل سعد زغلول

أول وزارة شعبية في مصر، تعرف بـ "وزارة الشعب" ، واكتسب للشعب حقوقاً كثيرة على حساب سلطة الملك والاحتلال.
حادثة اغتيال السير لي ستاك واستقالة الوزارة
في نوفمبر 1924م ، وقعت حادثة اغتيال السير لي ستاك، قائد الجيش المصري وحاكم السودان أسفرت تداعيات هذه الحادثة عن تقديم سعد زغلول استقالته من رئاسة الوزراء. بعد استقالته، تولى سعد زغلول رئاسة مجلس النواب في 10 يونيو 1926م ، وهو المنصب الذي شغله حتى وفاته.
- الخطب والتأثير لسان الثورة وصوت الوحدة الوطنية
كانت خطب سعد زغلول أداة رئيسية في تحريك المشاعر الوطنية وتوحيد صفوف الأمة، مما جعله "لسان الثورة وصوت الوحدة الوطنية. لم يكتب سعد زغلول كتباً في الفلسفة السياسية، بل كانت معظم آرائه موزعة في خطبه ويومياته. وقد تم جمع العديد من خطبه وأحاديثه في كتب مثل مجموعة خطب سعد باشا زغلول الحديثة".
محتوى الخطب
ركزت خطب سعد زغلول على عدة محاور أساسية:
المطالبة بالاستقلال التام : كان الهدف الأسمى لخطبه هو تحقيق الجلاء الكامل عن الاحتلال البريطاني ونيل الاستقلال التام لمصر. أكد في إحدى خطبه في الإسكندرية: "نفيت لأني متهم بأني غرست الوطنية فيكم ولم أكن أنا الغارس للوطنية في قلوبكم ، لكن الله الذي غرسها في صدوركم وقد أخذتها عنكم لأنني معكم فسرت الوطنية منكم إلي".

الوحدة الوطنية شدد سعد زغلول على أهمية الوحدة بين المسلمين والأقباط كركيزة أساسية للنضال الوطني. أشار إلى أن الديانات واحدة تأمر بالدفاع عن الوطن، وأنه ليس لها تأثير إلا في عبادة الخالق، أما في الوطن فالكل سواء. وقد أثنى على العلماء والقسس الذين باتحادهم أبطلوا حجة في يد الخصوم طالما اتخذوها سلاحاً قاطعاً.
العدالة والحقوق: دعا إلى احترام الحق والقانون، مؤكداً أن المطالبة بالحقوق ليست مشاغبة أو معاكسة. قال: "الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة". كما أكد على أهمية محاسبة الحكومة على أخطائها.
تأكيد الهوية المصرية شدد على أن "مصريتنا تقضي علينا أن يكون وطننا هو قبلتنا وأن نكرم أنفسنا ونكرم وطننا فلا ننتسب إلى وطن غيره".
أسلوب الخطابة والتأثير
تمتع سعد زغلول بقدرة فائقة على مخاطبة الجماهير وإقناعهم ، وكان أسلوبه الخطابي يتميز بالوضوح والدقة. استخدم السجع والجناس الناقص لتنظيم النغم وترتيب الإيقاع، مما أضفى على خطبه نغمة موسيقية مؤثرة في نفوس المستمعين. كما كان يميل إلى التكرار لتعزيز المعاني. هذه الخصائص ساهمت في جعل خطبه سهلة الفهم وقوية التأثير، مما مكنه من تحريك الجماهير وتعبئة الشعب.
كان "بيت الأمة" (منزل سعد زغلول ) مركزاً رئيسياً للنشاط السياسي والخطب. شهد هذا البيت الكثير من الأحداث التي مرت بمصر في الثلث الأول من القرن العشرين، وخاصة أحداث ثورة 1919 وتداعياتها. كان سعد

زغلول يستقبل فيه الوفود ، وتلقي زوجته صفية زغلول ضيوفها في الغرفة الصيفية، مما جعله رمزاً للتجمع الوطني ومركزاً لتبلور الإرادة الشعبية. هذا الدور المحوري للمنزل عزز من شرعية سعد زغلول كزعيم شعبي حيث لم يكن مجرد قائد سياسي، بل كان جزءاً من نسيج الشعب، يتفاعل معهم ويستمد منهم قوته.
كان لخطب سعد زغلول تأثير بالغ على الحركة الوطنية. فبعد نفيه الأول إلى مالطة في مارس 1919م ، اندلعت الثورة في جميع أنحاء مصر، مما يدل على أن نفي الزعيم لم يضعف القضية، بل أشعل فتيلها. هذا يؤكد أن خطبه ومطالبه الوطنية كانت قد غرست جذورها بعمق في وعي الشعب وأن الثورة كانت ذات طابع شعبي واسع النطاق، تجاوز مجرد دعوات سعد زغلول. عندما عاد من المنفى في سبتمبر 1923م ، استقبلته الأمة بترحيب حافل، حيث جهز سيد درويش لحن أغنية "بلادي بلادي" بمناسبة عودته مما يعكس الأثر العاطفي والوطني لعودته على الشعب.
الوفاة والإرث: نهاية قائد وبقاء أسطورة
توفي الزعيم سعد زغلول في 23 أغسطس 1927م في القاهرة، عن عمر يناهز 68 عاماً. شيع جثمانه بعد ظهر يوم 24 أغسطس إلى قبره بالإمام الشافعي.
بعد وفاته، رغبت زوجته صفية زغلول في إقامة ضريح له بجوار بيته بيت الأمة). تم البدء في إنشاء الضريح عام 1927م ، وتم نقله رفاته من مقابر الإمام الشافعي إلى الضريح بعد حوالي تسع سنوات، في 19 يونيو 1936م ، في جنازة مهيبة واحتفال كبير يليق بمكانته الضريح مبني على الطراز

الفرعوني على مساحة 625 متراً مربعاً وارتفاع حوالي 26 متراً، وأعمدته من الجرانيت، ويقع في حي السيدة زينب بالقاهرة بجوار بيته الذي تحول إلى متحف بيت الأمة. صفية زغلول أصرت على أن يكون الضريح خاصاً بسعد باشا فقط، ورفضت تحويله إلى مقبرة جماعية. هذا الإصرار على ضريح منفرد يعكس رغبة في تكريم فرادة سعد زغلول ومكانته الاستثنائية كزعيم للأمة، وتأكيداً على أن إرثه لا يذوب في جماعة، بل يظل قائماً بذاته كرمز وطني.
لعبت صفية زغلول دوراً محورياً في الحفاظ على إرث سعد زغلول بعد وفاته.
فقد أوصت عام 1944م بأن يكون بيت سعد زغلول متحفاً شاهداً حياً على كفاح وتضحيات أبناء الوطن من أجل استقلاله وتحريره، وقد جعلته حكومة ثورة يوليو متحفاً قومياً. استمرت صفية زغلول في دعم القضايا الوطنية، وكانت تعرف بأنها "أم المصريين" التي ناصرت قضايا المرأة وحافظت على تراث زعيم مهم.
يظل إرث سعد زغلول عميقاً في الذاكرة الوطنية المصرية. فهو ليس مجرد شخصية تاريخية، بل هو رمز للنضال من أجل الاستقلال والديمقراطية والوحدة الوطنية. لقد تمكن من توحيد الشعب وقيادته نحو الحضارة الحديثة والحرية، ويجمع المؤرخون على أن جهوده كانت حاسمة في تقدم مصر الحديثة سياسياً وحضارياً. حتى أعداؤه كانوا يكنون له الإعجاب، حيث وصفه إسماعيل صدقي بأنه "رجل عظيم ، وكانت له عيوب لكنها كما يقول الفرنسيون كانت بمثابة العيوب الصغيرة التي تلازم الصفات الكبيرة". وضوح الرؤية والإيمان الحقيقي بالوحدة الوطنية كانا من أبرز مميزاته القيادية التي ساعدته على تحقيق إنجازاته.

. خاتمة: تقييم شامل لدور سعد زغلول في تاريخ مصر الحديث
يمثل سعد زغلول قامة فريدة في تاريخ مصر الحديث، حيث جمع بين الفكر الإصلاحي والعمل السياسي الميداني والقدرة على التعبئة الجماهيرية. كانت مسيرته المهنية المتنوعة من العمل القضائي والإداري إلى المناصب الوزارية، بمثابة إعداد مكثف لدوره القيادي الأكبر. هذه الخبرة مكنته من فهم عميق لآليات الدولة والمجتمع، مما انعكس على سياساته الإصلاحية، مثل جعل اللغة العربية لغة التعليم، وتأسيس الجامعة المصرية.
تميز أسلوب قيادة سعد زغلول عن معاصريه من الزعماء الوطنيين مثل مصطفى كامل ومحمد فريد وعدلي يكن. فبينما كان مصطفى كامل رائداً في إيقاظ الوعي الوطني وتأسيس الحزب الوطني، معتمداً على الخطابة والتنظيم ، ومحمد فريد الذي واصل الكفاح الوطني وركز على تعليم الشعب وتأسيس النقابات ، اتسم أسلوب سعد زغلول بقدرة استثنائية على تحويل المطالب النخبوية إلى حركة شعبية عارمة. لقد أدرك سعد زغلول أن الشرعية الحقيقية تكمن في تفويض الشعب، وهو ما جسده في فكرة "التوكيلات التي منحت الوفد قوة تفاوضية غير مسبوقة. هذا التحول في استراتيجية النضال من التركيز على القصر أو المفاوضات النخبوية إلى التعبئة الجماهيرية، كان له أثر حاسم في إشعال ثورة 1919 وجعلها ثورة شاملة.
كانت علاقته مع مصطفى كامل معقدة، حيث كانت هناك أهداف مشتركة ولكن أيضاً خلافات، خاصة حول مشروع الجامعة المصرية وموقفه من التعليم باللغة الإنجليزية. ومع ذلك، فإن الحزب الوطني الذي

أسسه كامل وفريد رحب بتولي سعد زغلول نظارة المعارف، مما يشير إلى وجود براغماتية في الحركة الوطنية تهدف إلى تحقيق أي انتصار ممكن. أما عدلي يكن، فقد كان سياسياً قديماً تولى رئاسة الوزراء عدة مرات، وتميز بكونه الرجل النبيل المفكر ، لكنه واجه تحديات في التفاوض مع البريطانيين، وكان خلافه مع سعد زغلول حول أحقية تمثيل الأمة في المفاوضات يعكس التباين في مصادر الشرعية السياسية بين النخبة والشعب.
نجح سعد زغلول في تأكيد النظام الدستوري، والوقوف في وجه الحكم المطلق، وتحرير الحياة الاقتصادية من التبعية الأجنبية، وتشجيع الصناعات ورأس المال الوطني. كما عمل على نشر التعليم وتعميم الملكيات الصغيرة. هذه الإنجازات لم تكن مجرد إصلاحات إدارية، بل كانت جزءاً من مشروع وطني شامل يهدف إلى بناء دولة حديثة مستقلة.
في الختام، يمكن القول إن سعد زغلول لم يكن مجرد قائد سياسي، بل كان مهندس الثورة الشعبية التي غيرت وجه مصر. قدرته على المزج بين التكوين الأزهري والقانوني، وخبرته الحكومية، وبصيرته السياسية في استمداد الشرعية من الشعب، كل ذلك جعله "زعيم الأمة" الذي قاد مصر نحو فجر الاستقلال، تاركاً إرثاً خالداً من النضال والوحدة الوطنية والعمل الديمقراطي

حفيد الزعيم خالد الذكر سعد باشا زغلول