ذكرياتى (١٥)
حكايتى مع الشعر
الشعر ديوان العرب، وسجل تاريخهم وأيامهم وآثارهم ومناقبهم، بحِكَمِة تسمو الأذواق، وبه تصقل اللغة، وبه قد يجود البخيل ويقدم الجبان، ومن أخص صفات أمتنا العربية أنها أمة شاعرة.
وتجربتى مع الشعر هى تجربة تذوق واختيار ونقد فى المقام الأول، ومشاركة أو محاولة فى نظمه فى المقام الثانى، وقد ذكرت فى المقال السابق طرفا من ذلك، وأذكر أننى رأيت يوما ما شخصا يجمع بين أمرين إذا اجتمعا فى شخص كانا غاية النقيصة له، هما الحرص الشديد وعدم التورع من الحرام أو الشبهات على أقل تقدير، وكان بينه وبين أحد الناس معاملة مادية غير مكتوبة، فلما مات الرجل استحل ذلك الشخص ما كان لهذا المتوفى من حق عنده، ونصحته فلم يستجب، فآلمنى أنه لم يتعظ بموت الرجل، فقلت فى ذلك:
أَكُولٌ لمن مات أو من حيا
إذا ما أتاه الحرام انتشى
ويخشى الذهاب إلى المسجد
لكى لا يجوع إذا ما مشى
ومن اللطائف أننى عقب تخرجى من الجامعة عملت خطيبا بمسجد السايس بمنطقة سوق السلاح بالدرب الأحمر فى الشارع المقابل لحديقة مسجد الإمام الرفاعى إلى جانب عملى معيدا بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بجامعة الأزهر بالقاهرة، وهناك تعرفت على أحد علماء الإقراء والقراءات الأفاضل، وهو فضيلة الشيخ محمد إسماعيل عامر رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته جزاء ما قدم فى خدمة القرآن الكريم، فكان لى معلما وأخا أكبر فتح لى قلبه وبيته وأكرمنى أيما إكرام، وكان بيته مفتوحا لأهل القرآن وطلاب علم القراءات، وكان سمحا سهلا لطيفا محبوبا، أنشدته يوما بعض شعرى فقال لى مداعبا، أما لأخيك نصيب من شعرك ولو ببيتين فكان وفائى له يقتضى جبر خاطره، وكان ذلك فى شهر رمضان، فأنشأت فى ذلك قصيدة أذكر منها:
فمثل صنيعكم يأتى شفيعا
لصاحبه وقد ينجو بعشر
فلا تنس إذا ما صرت أهلا
أخاك محمدا فى يوم حشر
سأذكر عندى ربى أن نسيت
بأن العهد كان بكل جهر
وفى شهر الصيام أخذت عهدى
فحرمته تخالف كل شهر
وفى رحلة الحج أنشأت عدة قصائد ومقطوعات، أذكر منها:
إلى عرفات الله يممت وجهتى
وأملت فى الرحمن غفران زلتى
وتاقت نفوس العاشقين لمشعر
عليه قلوب الخلق تهفو لرحمة
يفيض بها الرحمن عطفا عليهم
إفاضة إكرام عظيم ومنة
فلله در الواقفين ودرنا
إذا مَنّ رب العرش ثم بنظرة
فيا رب فرج كربنا وهمومنا
وتمم زيارتنا بأعتاب روضة
وقلت فى أستاذنا الأستاذ الدكتور إبراهيم على أبو الخشب:
مَنْ للبلاغة والأدب
إلا الأديب أبو الخشب
فى كل علم عندنا
مُفضٍ بسهم أو سبب
أما فى زيارة فضيلة الإمام الأكبر الراحل الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوى رحمه الله لكليتنا عقب توليه مشيخة الأزهر فأنشأت قصيدة طويلة متعددة القوافى أنشدتها فى وجود فضيلته، أذكر منها:
إن المعاهد تنظيما وأبنية
تحتاج جهدا وإصلاحا وتقويما
قد كان أبناؤها للعلم ألوية
قد كان طلابها يلقون تعظيما
عن الحضارة فاسأل سالف الزمن
فهل تلاقى لغير الغر تقديما
فابعث رسالتها من بعد غفوتها
تشرح بها صدرا تنصر بها دينا
أعدد لها خططا وابعث لها مددا
تلقى لها منكم بالله تمكينا
وقد تقبلها فضيلته رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته بصدر رحب وأثنى عليها خيرا وطلب نسخة منها كتبناها على لوحة كبيرة وأهديناها لفضيلته.. وللحديث بقية.
الأستاذ بجامعة الأزهر