مطلوب مشروع وطنى تربوى!
قال أمير الشعراء أحمد شوقى:
«إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا».
ولعل هذه الحكمة تختصر معادلة بقاء الحضارات أو زوالها.. فالمجتمعات لا تبنى بالحجارة وحدها، ولا تستقيم بالتقنيات الحديثة فحسب، إنما تستند أولًا إلى منظومة أخلاقية متينة تحميها من التصدع والانهيار.
اليوم، وفى زمن تتسارع فيه التحولات الفكرية والاجتماعية، لم تعد القيم الأخلاقية ترفًا أو التربية مجرد خيار ثانوى، بل غدت خط الدفاع الأول أمام الانحرافات التى يفرضها انفجار المعلومات وتدفق المؤثرات بلا سقف ولا حواجز.
نحن أمام جيل يعيش فى فضاء مفتوح تحكمه الشاشات وتوجهه خوارزميات بلا هوية أو وطن.. وهنا يبرز السؤال: كيف نصون بوصلة الأخلاق وسط هذا السيل الجارف؟ ومن يضع الضوابط التى تمكن شبابنا من التمييز بين الحرية والانفلات؟
الأحداث الأخيرة كشفت عن مظاهر سلوكية مؤسفة تعكس غيابًا واضحًا للوعى، وهو ما يؤكد حاجتنا الماسة إلى مشروع وطنى تربوى يعيد صياغة القيم وفق رؤية متوازنة، تواكب العصر دون أن تتخلى عن ثوابت الهوية.
إنها ليست مجرد مواعظ عابرة، بل قضية تتعلق ببناء عقل نقدى واع قادر على الاختيار السليم، بعيدًا عن السلوكيات التى تسىء إلى صورتنا وتضعف تماسكنا المجتمعى.. فأخطر ما يهدد الأمم ليس الفقر المادى، بل الفقر القيمى.
شباب بلا أخلاق يعنى مستقبلًا بلا أمان، وهذه ليست مثالية خطابية بل حقيقة تؤكدها التجارب والدراسات، فالتكنولوجيا التى سيطرت على عقولنا قد تسرق أرواحنا أيضًا إذا لم نحسن توظيفها، وما بين هذين الحدين لا يبقى أمامنا سوى التربية الحديثة كمنارة لإنقاذ الأجيال.
من هنا تبرز أهمية وضع استراتيجية شاملة ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية: التعليم، والأسرة، والمؤسسات الدينية والإعلامية والثقافية.
لسنا أمام رفاهية فكرية، بل أمام معركة بقاء حقيقية، معركة تحدد مصيرنا: هل سنحافظ على إنسانيتنا، أم نتركها رهينة نزوات عابرة وصور زائفة؟.
إن أى حديث عن تنمية أو ريادة بلا أخلاق سيفقد معناه.. فبناء الإنسان قبل بناء العمران لم يكن يومًا شعارًا دعائيًا، بل هو الأساس لكل نهضة حقيقية.
إذا أردنا مستقبلًا آمنًا، فعلينا أن نعيد الاعتبار للتربية بوصفها المشروع القومى الأهم، وأن نغرس فى شبابنا وعيًا يجعلهم أكثر إدراكًا لمسئولياتهم، وأبعد عن الانجراف وراء سلوكيات لا تليق بتاريخ هذه الأمة ولا بقيمها.