انتخابات VIP.. بجمهور درجة ثالثة!
أزمة استحقاق وطني واجب النفاذ| فاتورة الديمقراطية.. من يدفع ثمن انتخابات الشيوخ؟"

بينما كانت مصر تمر بأصعب أزماتها الاقتصادية من تضخم جنوني، وارتفاع غير مسبوق في الأسعار، وديون داخلية وخارجية تثقل كاهل الدولة والمواطن معًا، جاءت انتخابات مجلس الشيوخ لتفتح بابًا آخر للجدل، ليس حول جدوى المجلس أو تأثيره السياسي، بل حول تكلفته الفادحة على ميزانية الدولة، في وقت يُطلب فيه من المواطن "شد الحزام"، بالرغم من أنه الحكومه تؤكد بانه استحقاق وطني واجب النفاذ.. السؤال الأهم ليس فقط "كم أنفقنا؟"، بل "مقابل ماذا؟".
مجلس الشيوخ الذي لا يملك صلاحيات تشريعية ملزمة، ويكتفي بمهام استشارية بلا أنياب ، يشكك كثيرون في جدواه، و نسب التصويت في أدنى مستوياتها التاريخية، رغم الحشد والدعاية ، هل كانت هناك أولويات أهم من إنفاق المليارات ، لماذا لا تُوجَّه هذه الأموال لدعم منظومة الصحة أو التعليم أو حتى معاشات الفئات الأشد فقرًا؟ هل المشاركة في الحياة السياسية باتت مسرحية مكلفة بلا جمهور؟.

الديمقراطية ليست مجرد صناديق، بل إرادة حقيقية تمثّل الناس وتعبر عن أولوياتهم ، أما حين تصبح الانتخابات استنزافًا ماليًا ضخمًا لا يُترجم إلى تحسين في حياة المواطنين، فإننا أمام فاتورة شرعية شكلية تُدفع من جيب الفقير، بينما تُحسم النتائج في كواليس السياسة المغلقة... تقارير حقوقية وخبراء كشفوا أن التكلفة الإجمالية للعملية الانتخابية بلغت نحو ٤ مليارات جنيه، شملت: أجور وبدلات عشرات الآلاف من القضاة والموظفين، تكاليف التأمين والنقل اللوجستي طباعة ملايين أوراق الاقتراع ، تجهيز آلاف اللجان الانتخابية في كل المحافظات، في الموازنة الرسمية، وأنه قد زادت مخصصات الهيئة الوطنية للانتخابات من 60 مليون إلى 72 مليون جنيه فقط، وهو رقم لا يعكس التكلفة الكاملة، بل مجرد جزء إداري و زيادة في تكلفة الدعاية الانتخابية بنسبة 30% مقارنة بانتخابات 2020 بسبب أسعار الدولار والطاقة، لتتحول الشوارع إلى مزادات إعلانية مفتوحة وان سعر الصوت الانتخابي في بعض المناطق الشعبية ارتفع من 200 جنيه إلى نحو 300 جنيه ..فالانتخابات أُجريت لتلبية نصوص الدستور، لكنها حملت معها نزيفًا قاسيًا للخزانة العامة والنتيجة مجلس بلا سلطة حقيقية.. ومواطن يدفع الثمن من قوت يومه .

فقد رصد الائتلاف المصري لحقوق الإنسان والتنمية في تقرير له غياب الرقابة الفعلية على سقف الإنفاق مع انتشار لافتات وإعلانات تتجاوز المبالغ المحددة قانونياً"، وطالب بإعادة النظر في آليات ضبط الإنفاق على الدعاية، وتنظيم الإعلانات الرقمية وربطها بسقف النفقات الانتخابية، ذكر أنه رغم وجود قواعد رادعة، والمادة 25 من قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية تنص على أن الحد الأقصى للإنفاق على الدعاية لكل مرشح في النظام الفردي 500 ألف جنيه، والحد الأقصى في مرحلة الإعادة 200 ألف جنيه، إلّا أن الممارسات الفعلية كشفت عن فجوات تنفيذية، أبرزها غياب الرقابة على سقف الإنفاق ، إذ رصد توسعاً في الإعلانات الممولة، وسط صمت الهيئة المشرفة على انتخابات ، وكشف المركز الحقوقي أن المرشحين دفعوا ما بين 30 و50 مليون جنيه لشراء المقعد من أحزابهم التي رشّحتهم.

يقول مهندس حسام محرم خبير سياسي ومستشار وزير البيئه الأسبق أن الانتخابات البرلمانية تعد بمثابة استحقاق دستوري لا مفر منه أيا كانت تكلفته، لذلك فإن الدعوات لإلغاء الانتخابات لتوفير النفقات هو من باب العبث الاعلامي ولا محل له من الإعراب، والأجدي هو المطالبة بإنعاش الحياة الحزبية وإتاحة حرية كبيرة للعمل الحزبي والتواصل مع القواعد الجماهيرية.
ويري الخبير السياسي ومستشار وزارة البيئه الأسبق أن فرض رسوم للترشح في الإنتخابات ينطوي علي عائق ضمني أمام ممارسة الكثير من المواطنين لحقهم الدستوري في الترشح، حيث يُطلب من كل مترشح فردي إيداع مبلغ تأمين قدره 30,000 جنيه مصري في المحكمة الابتدائية المختصة ، يجعل الترشح قاصر علي أباطرة المال السياسي والأغنياء فقط دون مراعاة الكفاءات والخبرات والنفوذ الشعبي وقال أن هذه الرسوم مطعون في دستوريتها، وينبغي إجراء التعديلات التشريعية اللازمة لإلغاء أي عائق مالي يفرغ مبدأ حرية الترشح من مضمونه. ، مضيفاً أن التحديات الخارجية التي تواجهها مصر خلال الفترة الأخيرة والمتوقع تمددها هلال الفترة القادمة تقتضي تعزيز الجبهة الداخلية بعدة ٱليات من بينها تعزيز المشاركة السياسية والحزبية لإدماج قوي المجتمع في مواجهة هذه التحديات المصيرية التي تحيط بمصر من كافة الجهات.

وقال الدكتور عادل عامر الخبير السياسي والاقتصادي ورئيس مركز العربي الأوروبي أن الانتخابات حدثًا ديمقراطيًا مهمًا لكنه يحمل أعباء اقتصادية ملحوظة، تتوزع التكاليف على تجهيز مقار اللجان، وطباعة بطاقات الاقتراع، وتأمين العملية الانتخابية، إضافة إلى مكافآت القضاة والمشرفين، وحملات التوعية للناخبين. كما تتحمل الدولة نفقات البنية التكنولوجية للفرز الإلكتروني والدعم اللوجستي، بما في ذلك النقل والاتصالات. ورغم ارتفاع هذه التكاليف، فإنها تُعد استثمارًا في استقرار الدولة وتعزيز المشاركة الشعبية، مما ينعكس إيجابيًا على المناخ السياسي والاقتصادي ، إلا أنه يجب أن يكون هناك توازن بين الكلفة المالية وتحقيق انتخابات نزيهة ، وأضاف أنه تم الاعتماد على المدخلات الافتراضية (عدد الناخبين 62 مليون، عدد اللجان 62 ألف لجنة، معدل مشاركة 25% ، والبنود الأساسية: تجهيز اللجان، أجور العاملين، الطباعة، اللوجستيات، الأمن، التقنية، التوعية، المنازعات، احتياطي الطوارئ، بالإضافة إلى تكلفة القضاة . وأشار رئيس المركز العربى الاوربي أن إجمالي التكلفة التقديرية لانتخابات مجلس الشيوخ 2025 بين 1.07 مليار جنيه في السيناريو المنخفض و5.65 مليار جنيه في السيناريو العالي، مع متوسط معقول يبلغ 2.8 مليار جنيه، ويظل بند الإشراف القضائي عنصرًا أساسيًا في ضمان نزاهة العملية الانتخابية، وهو ما يبرر تخصيص ميزانية مستقلة له.

وأشار "عامر" أن أجور المستشارين القضائيين الذين أشرفوا على اللجان الفرعية والعامة، بمتوسط أجر يتراوح بين 10 إلى 15 ألف جنيه للمستشار الواحد خلال يومين، في حين أن عدد القضاة المشاركين بلغ حوالي 15 ألف قاضٍ ، وهناك بدلات ومكافآت الموظفين الإداريين والمعاونين، بمتوسط 800 إلى 1200 جنيه لكل موظف يوميًا، مع مشاركة أكثر من 120 ألف موظف على مستوى الجمهورية الي جانب تكاليف التأمين والنقل والإقامة للقضاة والمشرفين في المحافظات البعيدة وتكلفة الطباعة والدعاية الرسمية للاستمارات، وكشوف الناخبين، والمواد الدعائية الحكومية كذلك أجور شركات التأمين والنظافة والتعقيم.