ذكرى الزعماء ودروس لا تنتهى «2-2»
استكمالًا لمقال الأسبوع الماضى حول ذكرى رحيل زعماء الوفد الثلاثة سعد زغلول، ومصطفى النحاس، وفؤاد سراج الدين التى تحل فى شهر أغسطس من كل عام نعيد استقراء بعض جوانب سيرهم العطرة لنستذكر كثيرًا من الدروس المُعلمة والخالدة.
ولا شك أن أحد هذه الدروس العظيمة، يتمثل فى انتصار المتشبثين بالحق والمؤمنين بالديمقراطية ولو بعد حين، وهو ما يعنى ضرورة ضخ الأمل فى شرايين الحياة السياسية مهما بدت مُتيبسة أو مُنغلقة.
فلا شك أن المشترك الأوضح لدى زعماء الوفد الثلاثة هو الإيمان الراسخ بالغد، واليقين التام بأن الضربات القاصمة مهما كانت حدتها، لا تزيد أصحاب الحق سوى قوة وصلابة وصمودًا، بل تدفعهم إلى الثبات على طريق المقاومة لكل ما يُحقق مبدأ سيادة الأمة.
ففى لحظة فارقة فى التاريخ المصرى المعاصر واجه سعد زغلول سلطات أقوى دولة فى زمنه وهى بريطانيا، بجيوشها وعتادها وساستها، ووجد نفسه أسيرًا مُساقًا إلى حيث لا يعلم، ثُم منفيًا بعد أن تجاوز عمره الستين عامًا، وزاره المرض. لكن إيمان الرجل بالأمة زاده قوة فأبى الانحناء ووقف صلبًا، شامخًا، يبث الأمل فى نفوس الناس، لتتقهقر القوة الباطشة أمام إرادة البسطاء من المصريين وتنفتح الأبواب، ويخرج إلى الحرية، ويفوز فى الانتخابات ويُشكل أول حكومة للشعب.
فى ظروف أخرى، ولمرات عديدة جابه مصطفى النحاس انقلابات القصر المتكررة على الدستور، وإصرار السلطة التنفيذية على التغول على إرادة الناس، والاعتداء الدائم على المسيرة الديمقراطية، وإقالة حكومة الوفد المنتخبة، ليظل مُناضلًا ومقاومًا ومؤمنًا بالجماهير وحقها فى اختيار الحكومة، حتى تُنظم الانتخابات البرلمانية من جديد، فيفوز حزب الوفد باكتساح يُدهش القاصى والدانى، ويعود مرة أخرى للحكم.
أما فؤاد سراج الدين، فقد واجه عقب ثورة يوليو 1952، وإلغاء الأحزاب والقضاء على التعددية، التهديد والوعيد والمحاكمة والسجن والإقامة الجبرية، ومصادرة الممتلكات، فلم يهن أو يعتزل أو يلين، وظل مؤمنًا بإمكانية العودة لممارسة السياسة، محافظًا على القواعد الجماهيرية للوفد فى كافة الأنحاء، حتى سنحت الفرصة مرة أخرى خلال السبعينيات فعاد بحزب الوفد إلى الساحة السياسية، ثُم أبى الانصياع لقرار التجميد، فلجأ إلى القضاء، وعاد الوفد مرة أخرى بحكم قضائى سنة 1984.
لقد تميز الزعماء الثلاثة بالصلابة وقوة الشخصية والقدرة على الصمود فى وجه أعتى النُظم وأقسى الظروف، مُعولين على القيم الراسخة التى يلتف حولها كل ذى لب وفهم وعلى رأسها الحرية والديمقراطية والوحدة الوطنية وسيادة القانون.
ويبقى تراث الوفد معينًا لا ينضب لدروس عظيمة وقيم خالدة يلجأ إليها كل طلاب الإصلاح ودعاة الديمقراطية باختلاف توجهاتهم السياسية. لقد كانت سير زعماء الوفد أدلة نموذجية لكافة ممارسى السياسة فى مصر أجيالًا عقب أخرى، يتعلم منها الجميع. ففى قصصهم عظات وعبرات ودروس لا تنتهى.
وسلامٌ على الأمة المصرية.