بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

مارك زوكربيرج يبشر بالذكاء الاصطناعي الفائق والعالم يخشى كلفته البشرية

الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي

خلال السنوات القليلة الماضية، تصدر الذكاء الاصطناعي المشهد باعتباره أحد أسرع الابتكارات التقنية نموًا وأكثرها تأثيرًا في حياة البشر والاقتصاد، إلا أن هذه الطفرة لم تأتِ من دون ثمن.

 تقارير حديثة أشارت إلى أن الذكاء الاصطناعي أضر بسوق العمل والبيئة على حد سواء، فيما يواصل قادة التكنولوجيا التبشير بعصر جديد من القدرات الفائقة لهذه النماذج.

 فقدان الوظائف تحت ضغط الذكاء الاصطناعي

تقرير صدر في يوليو الماضي كشف أن نحو 15% من الوظائف المبتدئة اختفت نتيجة الأتمتة واعتماد الشركات على أدوات الذكاء الاصطناعي. تقرير آخر وضع هذه التكنولوجيا ضمن أبرز خمسة أسباب رئيسية لفقدان فرص العمل عالميًا، وهو ما يعكس حجم التهديد المباشر الذي يواجه العمال، خاصة في المهن الإدارية والمكتبية التي تعتمد على المهام الروتينية.

الأمر لم يتوقف عند الاقتصاد. فمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي التي تُشغّل هذه النماذج الضخمة باتت تُستهلك كميات هائلة من الطاقة والمياه. ووفقًا لتقرير نشرته وكالة بلومبرج، فإن ثلثي مراكز البيانات التي بُنيت منذ عام 2022 أُنشئت في مناطق تعاني من شحّ مائي كبير، ما أثار قلقًا متزايدًا بشأن استدامة هذه الصناعة.

مارك زوكربيرج: التفاؤل بالذكاء الاصطناعي الفائق

على الرغم من هذه المخاطر، يرى مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، أن العالم يقف على أعتاب مرحلة أكثر تقدمًا تسمى "الذكاء الاصطناعي الفائق". في منشور شاركه في 30 يوليو، كتب: "بدأنا نرى لمحات من التحسن في أنظمة الذكاء الاصطناعي. التطوير بطيء لكنه حتمي. الوصول إلى الذكاء الفائق أصبح وشيكًا".

المفهوم الذي يتحدث عنه زوكربيرج يتجاوز النماذج الحالية مثل ChatGPT أو Claude. فالذكاء الاصطناعي الفائق يُفترض أن يكون قادرًا على تحسين نفسه ذاتيًا، بما يفتح الباب أمام قفزات غير مسبوقة في التطوير التقني. وهو مستوى يُعتبر أعلى حتى من "الذكاء الاصطناعي العام" (AGI)، الذي يُقاس بقدرة الخوارزميات على التفوق على البشر في مختلف المهام المعرفية.

حتى الآن لم تنشر ميتا أي أوراق علمية محكمة تثبت هذا التقدم. لكن أبحاثًا مستقلة أشارت إلى إمكانية بناء نماذج قادرة على التطوير الذاتي. ورقة بحثية رُفعت إلى خادم "arXiv" في أكتوبر 2024 تناولت فكرة "وكيل جودل"، وهو نموذج نظري يستطيع تحسين نفسه بشكل متكرر عند وجود أدلة رسمية على جدوى هذه التحسينات. بعض الخبراء يتوقعون أن ظهور الذكاء الفائق قد يحدث بعد فترة وجيزة من تحقيق الذكاء الاصطناعي العام، لكن هذا السيناريو ما زال غير محسوم.

لا يخلو الذكاء الاصطناعي من الفوائد. في مجالات مثل الطب والفيزياء، يُمكن أن يساعد في تطوير علاجات السرطان أو في حل ألغاز فيزياء الكم والكون. لكن النقاد يحذرون من أن شركات التكنولوجيا الكبرى تنظر إليه بالأساس كوسيلة جديدة لتحقيق الأرباح، وهو ما قد يؤدي إلى تغليب المصالح التجارية على المسؤولية المجتمعية.

زوكربيرج نفسه تحدث في مقابلات سابقة عن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين نموذج أعمال الإعلانات في منصات ميتا، مع إبقاء المستخدمين لفترات أطول على إنستجرام وفيسبوك. كما طرح فكرة توظيف روبوتات المحادثة لمكافحة الوحدة عبر تقديم "أصدقاء افتراضيين"، وهو طرح اعتبره بعض الخبراء "ديستوبيًا" أو ذا طابع كئيب، لأنه يُحوّل المشكلات الاجتماعية العميقة إلى مجرد فرص تجارية.

الكاتب المتخصص في الذكاء الاصطناعي زفي موشوفيتز علّق على هذه الرؤية بقوله: "الأمر بدا وكأنه نسخة كاريكاتورية عن مخاوف النقاد، لكنها هذه المرة جاءت مباشرة من زوكربيرج نفسه، وبكلمات صريحة".

في منشوره الأخير، حاول زوكربيرج تخفيف حدة الانتقادات، مقدّمًا رؤية أكثر إنسانية لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي الفائق. فقد تحدث عن مساعدات شخصية قادرة على تمكين الناس من "تحقيق أهدافهم، وابتكار ما يتمنون، وخوض تجارب جديدة، وبناء علاقات أفضل". لكن الوصف بدا فضفاضًا بالنسبة لكثيرين، إذ اعتبره محللون مجرد صياغة تسويقية لوعود لا تزال بعيدة عن التحقق.

وكما جرت العادة، ربط زوكربيرج رؤيته بمشروعات الأجهزة القابلة للارتداء. فقد أشار إلى نظارات ذكية يمكن أن تعمل كوسيط بين المستخدم والذكاء الاصطناعي، في تكرار لمحاولات ميتا السابقة مع مشروع "الميتافيرس" الذي لم يحقق النجاح المرجو. بعض المعلقين وصفوا الفكرة بأنها "طبقة ميتا" جديدة مفروضة على الواقع، وليست حلاً فعليًا لمشكلات الذكاء الاصطناعي.

رغم كل هذه الوعود، يبقى السؤال: هل يمكن الوثوق بتصورات شركات وادي السيليكون حول مستقبل الذكاء الاصطناعي، خاصة وأن سجلها يتضمن تجارب مثيرة للجدل مثل الشعار القديم لفيسبوك "تحرك بسرعة وحطم الأشياء"؟

الخبراء يحذرون من أن ترك مصير هذه التقنية بين أيدي عدد محدود من المليارديرات قد يقود إلى مستقبل يطغى عليه الاستغلال بدلًا من المنفعة العامة. فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة هائلة للتقدم العلمي والاقتصادي، لكنه قد يتحول أيضًا إلى مصدر اختلال اجتماعي إذا لم يتم ضبطه بقواعد ومعايير واضحة تضع مصلحة الإنسان في المقام الأول.

إعلان زوكربيرج عن "الذكاء الاصطناعي الفائق" أثار موجة جديدة من الجدل، بين من يرى فيه قفزة تكنولوجية منتظرة، ومن يخشى أن يكون مجرد خطوة جديدة في سباق لا يراعي كلفة البشر والبيئة. وبين التفاؤل والقلق، يظل التحدي الأكبر هو إيجاد توازن بين الابتكار والمسؤولية، حتى لا يتحول وعد المستقبل الرقمي إلى واقع بائس تتحكم فيه الخوارزميات أكثر مما تتحكم فيه القيم الإنسانية.