قطوف
المشهد
من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع..
هكذا تصبح "قطوف"، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.
"سمية عبدالمنعم"

الكورنيش مزدحم. يجلس، يراقب حركات المارّة تارة، وأمواج النيل تارة أخرى. الشمس تهبط، تودّع النيل بأشعتها الحمراء. أوراق شجرة القيقب الأحمر تتساقط عليه مع نسيمٍ خفيفٍ زاد أفكاره اشتعالًا.
ينظر إلى مقعدٍ تجلس عليه مسنّة، تمسك بكتابٍ كبير، تقلّب صفحاته وتبتسم. بعد قليل، جاءها شيخ وجلس بجوارها. تسامرا وقلبا الصفحات معًا، ثم ضحكا، فاتّكأت برأسها على كتفه. جاء بائع الورود الحمراء يحمل وردةً بيضاء وحيدة، قدّمها للشيخ كما لو كان معتادًا على بيعها له.
يلتفت نحو اليسار، فيرى فتى وفتاة يشتريان وردةً حمراء من شابٍ يبيع الأزهار. ثم تلتقط عيناه مشهدًا آخر: شاب وشابة تبدو عليهما علامات الغضب والارتباك، دموع الفتاة تنهمر، والحديث بينهما جاد وجاف، حتى افترقا كما افترقت الشمس عن النيل.
تتجمع السحب في السماء، ويشتد الهواء. يستند الشيخ على عصاه، وتستند العجوز عليه، ثم تضع وردتها داخل الكتاب فتختفي بين صفحاته. يراقب رحيلهما حتى يلمح طيفهما من بعيد، قبل أن يختفيا.
تهبط الأمطار بغزارة، ثم تهدأ، ويهدأ معها المكان. يخرج رجل وأسرته من السيارة، ثم يجلسون في أحد المطاعم المطلة على النيل، المحاطة بجدارٍ زجاجي. يضحك الطفلان، ويبتسم الوالدان، يربتان على طفليهما بحنان.
يعود بنظره إلى أمواج النيل، وأوراق القيقب الأحمر المتساقطة. يفيق على صوتها الهامس المحبب إلى قلبه، وهي تفتح ذراعيها وتقبّله على رأسه بشوق وحنان.
ـ "أبي، كنت أعلم بأنك هنا... هيا لنعد إلى المنزل، الجو بارد."
ينظر إليها ويبتسم، يهمّ بالوقوف، فتساعده وتحمل عنه الحقيبة.