بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

"تكافؤ الفرص الانتخابية… مفتاح الثقة المفقودة"

نحن اليوم على أعتاب انتخابات مجلس النواب الجديد، وفي أجواء يخيّم عليها ظلّ العزوف الشعبي الذي شاهدناه في انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة. عزوفٌ لم يأتِ من فراغ، بل من شعور متزايد لدى المواطنين بأن العملية الانتخابية فقدت روحها الحقيقية: مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع شركائها.

لقد صار مشهد الحملات الانتخابية مرآةً للفجوة الطبقية الحادة التي يعيشها المجتمع. الغلاء الفاحش، والتضخم غير المسبوق، واختفاء الطبقة الوسطى – تلك الطبقة التي كانت دوماً ملح الأرض وميزان المجتمع – جعل من تكاليف الحملات الانتخابية عبئاً لا يقدر عليه إلا أصحاب الثروات الضخمة. المؤتمرات، والإعلانات، ورسوم البلديات، وكل أشكال الدعاية، أصبحت ساحة يتسابق فيها المال لا العقول، فتوارى أصحاب الكفاءات والرؤى الحقيقية، واحتل المشهد أصحاب المال فقط.

كيف نطلب من الناخب المثقف أو الشاب الواعي أن يشارك، وهو يدرك أن صوته سيذهب لتقنين وضعٍ مختل، حيث يختفي مبدأ المساواة وتُغيب العدالة؟ وكيف نطلب من الشعب أن يثق في نتائج انتخابات لا يثق في طريقة إدارتها؟

إن نجاح العملية الانتخابية لا يقاس فقط بعدد الصناديق الممتلئة، بل بمستوى المصداقية الذي تحظى به لدى جميع الشركاء: المرشحون، الأحزاب، الناخبون. وإذا غابت الثقة، فلن تكون النتيجة إلا مجالس عاجزة، وحكومات غير قادرة على مواجهة أزمات الشعب، لتبقى القيادة السياسية تتحمل وحدها العبء الداخلي والخارجي.

هنا تبرز الحاجة إلى مراجعة جذرية، تبدأ من ضبط مبدأ تكافؤ الفرص دستورياً وعملياً. يجب أن تُحدَّد سقوف واقعية لمصاريف الحملات تتناسب مع أوضاع الغلاء، وأن يُمنع البذخ المفرط الذي يطمس أي صوت متواضع في مواجهة مليارات الإعلانات.
وإنه لتعزيز العملية الانتخابية والارتقاء بمستوى شرعيتها كونها عمليه معقده تنطوي على فعاليات محدده تحتاج لضوابط قانونيه واضحه بسيطة وشاملة لتعزيز مبادئ وحدة المنهج والتنظيم والعداله والفهم المشترك لمجمل الإطار الانتخابي من كافة الشركاء في العملية الانتخابية، فهناك ترتيبات تفصيليه تستلزم تطويرها من خلال اللوائح والضوابط الأخرى طبقا لظروف كل بلد بحسب دليل المؤسسه الدوليه للديمقراطيه والانتخابات والذي ينظر إلى العملية الانتخابية برمتها كدورة متكاملة دون التركيز على مرحلة الاقتراع فقط حيث يؤكد على أهمية المراحل التي تسبق الاقتراع وكذا مراحل التقييم التي تليها وهذا هو مانحن بصدده الآن.

وأطرح هنا مقترحاً عملياً: أن يُخصص في كل دائرة انتخابية مكان واحد، سواء في استاد أو مركز شباب، تُقام فيه لقاءات علنية متساوية لجميع المرشحين، يقدم فيها كل واحد رؤيته وحلوله لمشاكل الناس في يوم محدد، بحضور الجمهور. تُجرّم أي دعاية خارج هذا الإطار، ويكون للشباب دور محوري في التنظيم والتفاعل. عندها ستعود المشاركة بكثافة غير مسبوقة، وسيشعر كل مواطن أن صوته مؤثر، وأن اختياره قائم على قناعة لا على صخب المال.

إن الديمقراطية الحقيقية لا تُختزل في صندوق اقتراع، بل في ضمان أن كل مرشح، مهما كان دخله أو طبقته، يقف على أرضية واحدة أمام منافسيه. وعندها فقط، سنرى مجالس تعكس إرادة الشعب لا ثروة الأفراد، وتخفف العبء عن القيادة السياسية، لتتفرغ لملفاتها الكبرى، بينما تتولى حكومات قوية – منبثقة عن انتخابات عادلة – معالجة جراح الداخل.

لقد آن الأوان أن نعيد للشعب ثقته، وللانتخابات معناها، وللديمقراطية جوهرها.