بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

رحيق مختوم

هاوية الاستدراج

كان ابن خلدون ظاهرة معرفية بديعة وفريدة، فالأفكار الحداثية التى انطوت عليها مقدمته الشهيرة سبقت الوعى العربى بسنوات ضوئية الذى لم يكن مؤهلاً لاستيعابها إبان تسطيرها فقد شخّص بمهارة فليسوف أسباب أمراض العقل العربى وأرجعها إلى فطرة البداوة التى تميل إلى المبالغة والعنتريات الفارغة وعدم تقدير عواقب القرارات المصيرية وليس أدل على رجاحة هذا الطرح أكثر من تكرار نفس الأخطاء الغبية فكما استدرجت أمريكا قاعدة بن لادن لإحداث 11 سبتمبر التى أفضت إلى احتلال العراق كذلك استدرجت اسرائيل بخبث شديد حماس إلى فخ 7 اكتوبر الذى أطلق يديها فى حرب إبادة خسيسة تهدف لتصفية القضية إلى الأبد، فهل يمكن لعاقل أن يصدق أن الموساد والشاباك فشلا فى معرفة توقيت وتفاصيل هذه العملية المفضوحة التى استمرت ستة ساعات كاملة دون أن تحرك اسرائيل ساكناً من أجل استغلال هذه المشاهد العبثية لاختطاف الأطفال والعجائز للتوصل مع واشنطن لتفاهمات استراتيجية ترتكز على تطبيق نموذج الاستسلام غير المشروط كما حدث لليابان والمانيا عقب إلقاء القنابل الذرية على هيروشيما ونجازاكى والقصف المرعب والمدمر على برلين.

تعتقد الصهيونية العالمية أن حماس ليست عصية على الاستسلام فهى بالطبع ليست أقوى من اليابان وألمانيا لا سيما بعدما نجحت تل أبيب فى تركيع كل محور المقاومة واغتيال كل رموزه البارزين بدم بارد فى رسالة لا تخطئها العين بأنهم قادرون على الوصول إلى مخابئهم مهما كانت حصينة، يصر السفاح نتنياهو الذى يواجه شبح السجن على تحقيق كل أهداف حكومته المتطرفة المتمثلة فى النصر المطلق وبحسب تصريحاته الاخيرة يخير كل الأطراف الدولية بصلفه المعهود بين احتلال كامل للقطاع والبدء الفعلى لخطة التهجير أو إنهاء الحرب غداً إذا ألقت حماس سلاحها فهو لا يريدها هى أو سلطة محمود عباس تحكم غزة مرة أخرى فهو يضغط لانشاء إدارة مدنية على طريقة كرزاى مع نشر قوات عربية تضمن امنها بشكل دائم، فعلى اقل تقدير اذا لم تتحقق خطة التهجير فيجب تغيير جذرى للثقافة المعادية لإسرائيل سواء فى الشارع الفلسطينى أو مناهج التعليم، لا شك أن حماس محشورة بين المطرقة والسندان فهى لا تريد أن تخرج من هذه الحرب الطويلة مهزومة كما حدث لإيران وحزب الله لكن خسائر الحرب فاقت كل توقعاتها فهنالك 61000 ألف شهيد ومجاعة تنهش عظام الأطفال الهزيلة مع تدمير مريع لم ترَ البشرية له مثيلًا.

بوضوح شديد ليس الهدف من هذه السطور إنهاء مشروع المقاومة فهى حق أخلاقى قبل أن يكون قانونياً لهذا الشعب المظلوم وإنما غاية المراد من رب العباد إدراك قادة حماس الفرق مابين هو استراتيجى وما هو تكتيكى وهذا ليس رأيى فقط وإنما استغاثة يائسة لشهيد الصحافة البطل انس الشريف فى آخر تسجيل صوتى له يحث أولى الأمر على التعاطى بواقعية بالكف عن ترديد عبارات إنشائية لا تغنى أو تسمن من جوع عن الصبر الذى نفذ أو الصمود الذى تنهشه مجاعة ضارية قضت على الأخضر واليابس فهل تستمع حماس إلى صوت العقل وتمنح نفسها والشعب المنهك المسكين استراحة محارب.